وقيل : مرادهم بقولهم : « أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ » التنصل والتخلص عما أنكر عليهم من قولهم : الملائكة بنات الله ، ومن عبادتهم لهم كأنهم قالوا : ما كان ذلك منا بدعا فإن النصارى يعبدون المسيح وينسبونه إلى الله وهو بشر ونحن نعبد الملائكة وننسبهم إلى الله وهم أفضل من البشر.
وفيه أنه لا يفي بتوجيه قوله : « وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ » على أن قوله : « إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ » على هذا الوجه لا يرتبط بما قبله كما في الوجهين السابقين.
وقيل : معنى قولهم : « أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ » أن مثلنا في عبادة الآلهة مثل النصارى في عبادة المسيح فأيهما خير؟ عبادة آلهتنا أم عبادة المسيح؟ فإن قال : عبادة المسيح خير فقد اعترف بعبادة غير الله ، وإن قال : عبادة الآلهة فكذلك ، وإن قال : ليس في عبادة المسيح خير فقد قصر به عن منزلته وجوابه أن اختصاص المسيح بضرب من التشريف والإنعام من الله تعالى لا يوجب جواز عبادته.
وفيه أنه في نفسه لا بأس به لكن الشأن في دلالة قوله تعالى : « أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ » على هذا التفصيل.
وقال في المجمع ، في الوجوه التي أوردها في معنى الآية : ورابعها ما رواه سادة أهل البيت عن علي عليهالسلام أنه قال : جئت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يوما ـ فوجدته في ملإ من قريش فنظر إلي ثم قال : يا علي ، إنما مثلك في هذه الأمة مثل عيسى بن مريم ـ أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا ، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا. فعظم ذلك عليهم فضحكوا وقالوا : يشبهه بالأنبياء والرسل ، فنزلت الآية.
أقول : والرواية غير متعرضة لتوجيه قولهم : « أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ » ولئن كانت القصة سببا للنزول فمعنى الجملة : لئن نتبع آلهتنا ونطيع كبراءنا خير من أن نتولى عليا فيتحكم علينا أو خير من أن نتبع محمدا فيحكم علينا ابن عمه.
ويمكن أن يكون قوله : « وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ » إلخ ، استئنافا والنازل في القصة هو قوله : « وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً » الآية.
قوله تعالى : « إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ » الذي