آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ ـ ٥٥. فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ ـ ٥٦. )
بيان
لما ذكر طغيانهم بعد تمتيعهم بنعمه ورميهم الحق الذي جاءهم به رسول مبين بأنه سحر وأنهم قالوا : « لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ » فرجحوا الرجل على النبي صلىاللهعليهوآله بكثرة ماله مثل لهم بقصة موسى عليهالسلام وفرعون وقومه حيث أرسله الله إليهم بآياته الباهرة فضحكوا منها واستهزءوا بها ، واحتج فرعون فيما خاطب به قومه على أنه خير من موسى بملك مصر وأنهار تجري من تحته فاستخفهم فأطاعوه فآل أمر استكبارهم أن انتقم الله منهم فأغرقهم.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ » اللام في « لَقَدْ » للقسم ، والباء في قوله : « بِآياتِنا » للمصاحبة ، والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ » المراد بمجيئهم بالآيات إظهار المعجزات للدلالة على الرسالة ، والمراد بالضحك ضحك الاستهزاء استخفافا بالآيات.
قوله تعالى : « وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها » إلخ ، الأخت المثل ، وقوله : « هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها » كناية عن كون كل واحدة منها بالغة في الدلالة على حقية الرسالة ، وجملة « وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ » إلخ ، حال من ضمير « مِنْها » ، والمعنى : فلما أتاهم بالمعجزات إذا هم منها يضحكون والحال أن كلا منها تامة كاملة في إعجازها ودلالتها من غير نقص ولا قصور.
وقوله : « وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » أي رجاء أن يرجعوا عن استكبارهم إلى قبول رسالته ، والمراد بالعذاب الذي أخذوا به آيات الرجز التي نزلت عليهم من السنين ونقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات كما في سورة الأعراف.