يتصرف في ما يشاء بما يشاء ولا يكون تصرفه إلا محمودا غير مذموم لأن التصرف إنما يكون مذموما إذا كان المتصرف لا يملكه إما عقلا أو شرعا أو عرفا ، وأي تصرف نسبه إليه تعالى عقل أو شرع أو عرف فإنه يملكه ، فهو تعالى حميد محمود الأفعال.
قوله تعالى : ( وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) بيان لما تقتضيه صفة العزة من القهر لمن يرد دعوته ويكفر بنعمته.
قوله تعالى ( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ) إلخ ، قال الراغب في المفردات : وقوله عز وجل : ( إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ ) أي إن آثروه عليه ، وحقيقة الاستحباب أن يتحرى الإنسان في الشيء أن يحبه ، واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار ، وعلى هذا قوله تعالى : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) ، انتهى.
ومعنى استحباب الدنيا على الآخرة اختيار الدنيا وترك الآخرة رأسا ، ويقابله اختيار الآخرة على الدنيا بمعنى أخذ الآخرة غاية للسعي وجعل الدنيا مقدمة لها يتوسل بها إليها ، وأما اختيار الآخرة وترك الدنيا من أصلها فإنه مضاف إلى عدم إمكانه بحقيقة معنى الكلمة يوجب اختلال أمر الآخرة ، وينجر إلى تركها بالآخرة ، فالحياة الدنيا حياة منقطعة والحياة الآخرة حياة دائمة يتوسل إلى سعادتها من طريق الدنيا بالاكتساب ، فمن اختار الآخرة وأثبتها لزمه إثبات الدنيا لمكان مقدميتها ، ومن اختار الدنيا وجعلها غاية لزمه نفي الآخرة من أصلها لأنها لو ثبتت ثبتت غاية وإذ لم يجعل غاية انتفت ، فليس بين يدي الإنسان إلا خصلتان : اختيار الآخرة على الدنيا بجعل الآخرة غاية وإثبات الدنيا معها للمقدمية ، واختيار الدنيا على الآخرة بجعل الدنيا غاية ونفي الآخرة من أصلها.
وإيضاح المقام أن الإنسان لا بغية له إلا سعادة حياته وحبه لها فطري ، وقد أوضحنا ذلك في مواضع متفرقة فيما تقدم ، والذي يثبته كتاب الله من أمر الحياة أنها دائمة غير منقطعة بالموت فلا محالة تنقسم بالنظر إلى تخلل الموت إلى حياتين : الحياة الدنيا المؤجلة بالموت والحياة الآخرة بعد الموت ، وهي تتفرع في سعادتها وشقائها على