الحياة الدنيا وما يكتسبه الإنسان في الدنيا من ناحية الأعمال الحيوية من حسنة أو سيئة ، ولا مفر للإنسان من هذه الأعمال لما عنده من حب الحياة الفطري.
وهذه الأعمال أعني السنة التي يستن بها الإنسان في حياته الدنيا الكاسبة له التقوى أو الفجور والحسنة أو السيئة هي التي تسمى في كتاب الله دينا وسبيلا ، فلا مفر للإنسان من سنة حسنة أو سيئة ودين حق أو باطل.
ولما كان من سنة الله سبحانه الجارية أن يهدي كل نوع من الأنواع إلى سعادته وكماله ومن كمال الإنسان وسعادته أن يعيش عيشة اجتماعية ويستن بسنة حيوية ، شرع الله سبحانه له دينا مبنيا على فطرته التي فطر عليها وهو سبيل الله الذي يسلكه ودينه الذي يتدين به ، فإن جرى على ما شرعته له الربوبية وهدته إليه الفطرة فقد سلك سبيل الله وابتغاه مستقيما ، وإن اتبع الهوى وصد نفسه عن سبيل الله واشتغل بما يزينه له الشيطان فقد ابتغى سبيل الله عوجا منحرفا.
أما أنه يبتغي سبيل الله فإن الله هو الذي فطره على طلب السبيل وابتغاء الصراط ولا يهدي البتة إلا إلى ما يرتضيه وهو سبيل نفسه ، وأما أنه منحرف ذو عوج فلأنه لا يهدي إلى الحق وما ذا بعد الحق إلا الضلال؟ والآيات القرآنية الدالة على هذا الذي قدمناه متكاثرة لا حاجة إلى إيرادها.
إذا عرفت هذا لاح لك أن قوله في تفسير الكافرين : ( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ ) مفاده أنهم يتعلقون تمام التعلق بالحياة الدنيا ويعرضون عن الآخرة بنفيها ، وهو الكفر بالمعاد المستلزم للكفر بالتوحيد والنبوة.
وقوله : ( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ) مفاده أنهم يكفون أنفسهم عن الاستنان بسنة الله والتدين بدينه أو يصدون ويصرفون الناس عن الإيمان بالله واليوم الآخر والتشرع بشريعته عنادا منهم للحق ، ويطلبون سنة الله عوجا ومنحرفة بالاستنان بغيرها من سنة اجتماعية أيا ما كانت ثم سجل عليهم الضلال بقوله سبحانه :