وبإذنه قال تعالى : ( أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) النساء : ١٣٩ وقال ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) : فاطر : ١٠.
والحميد فعيل بمعنى المفعول من الحمد وهو الثناء على الجميل الاختياري ، وإذ كان كل جمال ينتهي إليه سبحانه كان جميع الحمد له كما قال : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) : سورة الحمد : ٢ ومن غريب القول ما عن الإمام الرازي على ما سننقله : أن الحميد معناه العالم الغني.
وقوله : ( إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) بدل من قوله : ( إِلَى النُّورِ ) يبين به ما يوصل إليه الكتاب الذي أنزله على نبيه صلىاللهعليهوآله بيانا بعد بيان فنبه أولا بأنه نور يميز الحق من الباطل والخير من الشر والسعادة من الشقاوة ، وثانيا بأنه طريق واضح يجمع سالكيه في متنه وينتهي بهم جميعا إلى الله العزيز الحميد.
والوجه في ذكر الصفتين الكريمتين : ( الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) أنهما مبدءان لما سيورد في السورة من الكلام الموجه إليهم فإن عمدة الكلام في السورة هي تذكيرهم أن الله أنعم عليهم بربوبيته كل نعمة عظيمة ، ثم عزم عليهم من طريق رسله أن يشكروه ولا يكفروه ووعد رسله أنهم إن آمنوا أدخلهم الجنة ، وإن كفروا انتقم منهم وأوردهم مورد الشقاء والعذاب ، فليخافوا ربهم وليحذروا مخالفة أمره وكفران نعمته لأن له كل العزة لا نمنع عن حلول سخطه بهم ونزول عذابه عليهم شيء ، حميد لا يذم في إثابته المؤمنين ، ولا في تعذيب الكافرين ، كما لا يذم فيما بسط عليهم من نعمه التي لا تحصى.
فجل الكلام في هذه السورة فيما يقتضيه الصفات الثلاث : توحده تعالى بالربوبية وعزته وكونه حميدا في أفعاله فليخف من عزته المطلقة ، وليشكر وليوثق بما وعد وليتذكر من آيات ربوبيته.
وفي روح المعاني عن أبي حيان : النكتة في ذلك أنه لما ذكر قبل إنزاله تعالى لهذا الكتاب وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ، ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة لإنزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لا