لا؟ بمعنى أنه تعالى هل هو محكوم بالمصلحة الواقعية في فعله بحيث إن المصلحة ترجح له الفعل على الترك ولولاها لم يكن له ليفعل؟ أو أنه لا غاية له في فعله وإنما يفعل بإرادة جزافية من غير غرض؟
فذلك مما لا يهدي إلى شيء من طرفيه النظر المستوفى والحق خلاف القولين جميعا ، وهو أمر بين الأمرين كما أشرنا إليه ولعلنا نوفق فيما سيأتي من الكتاب لعقد بحث مستقل في المسألة نستوفي فيه النظر العقلي والنقلي فيها إن شاء الله تعالى.
وفي قوله : ( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والنكتة فيه التخلص إلى ذكر صفة الربوبية وتسجيل أنه تعالى هو رب هؤلاء المشركين الذين اتخذوا له أندادا فإن وجه الكلام في الحقيقة إليهم وإن كان المخاطب به هو النبي صلىاللهعليهوآله دونهم ولتكون هذه التسمية وهي في مفتتح الكلام مبدأ لما سيذكر في السورة من الحجة على توحيد الربوبية.
قوله تعالى : ( إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) العزة تقابل الذلة ، قال الراغب : العزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم : أرض عزاز أي صلبة ، قال تعالى : ( أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه ، انتهى موضع الحاجة.
فعزة العزيز هي كونه بحيث يصعب نيله والوصول إليه ومنه عزيز القوم وهو الذي يقهر ولا يقهر لأنه ذو مقام لا يصل إليه من قصده دون أن يمنع قبل الوصول إليه ويقهر ، ومنه العزيز لما قل وجوده لصعوبة نيله ، ومنه العزيز بمعنى الشاق لأن الذي يشق على الإنسان يصعب حصوله ، قال تعالى : ( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) التوبة : ١٢٨ ومنه قوله : ( وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ ) صلىاللهعليهوآله : ٢٣ أي غلبني على ما فسر به.
والله سبحانه عزيز لأنه الذات الذي لا يقهره شيء من جهة وهو يقهر كل شيء من كل جهة ولذلك انحصرت العزة فيه تعالى فلا توجد عند غيره إلا باكتساب منه