المؤمنون : ١١٥ والأمر والنهي اللذان يتم بهما الكمال في العالم الإنساني يعودان بالآخرة إلى ما يتم به الخلقة.
فلله سبحانه في خلقه وأمره أغراض ، وإن كان لا يستكمل بأغراض أفعاله كما نستكمل نحن بأغراض أفعالنا لكنه سبحانه لا يتأثر عن أغراضه وبعبارة أخرى الحكم والمصالح لا تؤثر فيه تعالى كما أن مصلحة الفعل تؤثر فينا فيبعثنا تعقلها نحو الفعل ونرجح الفعل على الترك ، فإنه سبحانه هو القاهر غير المقهور والغالب غير المغلوب ، يملك كل شيء ولا يملكه شيء ، ويحكم على كل شيء ولا يحكم عليه شيء ، ولم يكن له شريك في الملك ولا ولي من الذل ، فلا يكون تعالى محكوما بعقل بل هو الذي يهدي العقل إلى ما يعقله ، ولا تضطره مصلحة إلى فعل ولا مفسدة إلى ترك بل هو الهادي لهما إلى ما توجبانه.
فالغرض والمصلحة منتزعة من مقام فعله بمعنى أن فعله يتوقف على المصلحة لكنها لا تحكم في ذاته تعالى ولا تضطره إلى الفعل ، فكما أنه تعالى إذا خلق شيئا وقال له : كن فكان كزيد مثلا انتزع العقل من العين الخارجية نفسها أنها إيجاد من الله تعالى ووجود لزيد وحكم بأن وجوده يتوقف على إيجاده ، كذلك ينتزع العقل من فعله تعالى بالنظر إلى ما أشرنا إليه من صفاته العليا أنه فعله وأنه ذو مصلحة مقصودة ثم يحكم بأن تحقق الفعل يتوقف على كونه ذا مصلحة.
فهذا هو الذي يعطيه التدبر في كلامه تعالى في كون أفعاله تعالى مشتملة على الحكم والمصالح متوقفة على الأغراض والمتحصل من ذلك أن له تعالى في أفعاله أغراضا لكنها راجعة إلى خلقه دونه.
وملخصه أن غرضه في فعله يفارق أغراضنا في أفعالنا من وجهين : أحدهما أنه تعالى لا يستكمل بأغراض أفعاله وغاياتها بخلافنا معاشر ذوي الشعور والإرادة من الإنسان وسائر الحيوان ، وثانيهما أن المصلحة والمفسدة لا تحكمان فيه تعالى بخلاف غيره.
وأما النزاع المعروف بين الأشاعرة والمعتزلة في أن أفعال الله معللة بالأغراض أم