وإن استحسنه العقل واستصوبه فإن ذلك يأباه أمثال قوله تعالى : « قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ » الأعراف : ـ ٢٨.
قوله تعالى : « وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ » لما كان قوله : « لِيَبْلُوَكُمْ » إلخ ، يشير إلى المعاد أشار إلى ما كان يواجه به الكفار ذكره صلىاللهعليهوآله للمعاد برميه بأنه سحر من القول.
فظاهر الآية أنهم كما كانوا يسمون لفظ القرآن الكريم بما فيه من الفصاحة وبلاغة النظم سحرا ، كذلك كانوا يسمون ما يخبر به القرآن أو النبي صلىاللهعليهوآله من حقائق المعارف التي لا يصدقه أحلامهم كالبعث بعد الموت سحرا ، وعلى هذا فهو من مبالغتهم في الافتراء على كتاب الله والتعنت والعناد مع الحق الصريح حيث تعدوا عن رمي اللفظ لفصاحته وبلاغته بالسحر إلى رمي المعنى لصحته واستقامته بالسحر.
ومن الممكن أن يكون المراد بالسحر المغالطة والتمويه بإظهار الباطل في صورة الحق على نحو إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لكن لا يلائمه ظاهر قوله تعالى في نظير المورد : « قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ » المؤمنون : ـ ٨٩.
قوله تعالى : « وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ » إلى آخر الآية. اللام في صدر الآية للقسم ولذلك أكد الجواب أعني قوله : « لَيَقُولُنَ » باللام والنون والمعنى : وأقسم لئن أخرنا عن هؤلاء الكفار ما يستحقونه من العذاب قالوا مستهزءين : ما الذي يحبس هذا العذاب الموعود عنا ولما ذا لا ينزل علينا ولا يحل بنا.
وفي هذا إشارة أو دلالة على أنهم سمعوا من كلامه تعالى أو من كلام النبي صلىاللهعليهوآله ما يوعدهم بعذاب لا محيص منه وإن الله أخر ذلك تأخيرا رحمة لهم فاستهزءوا به وسخروا منه بقولهم : « ما يَحْبِسُهُ » ويؤيده قوله تعالى عقيب ذلك : « أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ » إلخ.