والأرض والملائكة لأن خلق العرش على الماء لا وجه لحسنه إلا أن يكون فيه لطف لمكلف يمكنه الاستدلال به فلا بد حينئذ من حي مكلف ، وقال علي بن عيسى : لا يمتنع أن يكون في الإخبار بذلك مصلحة للمكلفين فلا يجب ما قاله الجبائي وهو الذي اختاره المرتضى قدس الله روحه. انتهى.
أقول : وما ذكراه مبني على ما ذهب إليه المعتزلة : أن أفعال الله سبحانه معللة بالأغراض وتابعة للمصالح وجهات الحسن ولو كان ذلك بأن يخلق خلقا ليخبر بذلك المكلفين فيعتبروا به ويؤمنوا له فيتم بذلك مصلحة من مصالحهم ، وقد تقدم في أبحاثنا السابقة أن الله سبحانه لا يحكم عليه ولا يؤثر فيه غيره سواء كان ذلك الغير مصلحة أو أي شيء آخر مفروض وأن غيره أي شيء فرض مخلوق له مدبر بأمره إن كان أمرا ذا واقعية ووجود إن الحكم إلا لله والله خالق كل شيء.
فجهات الحسن والمصلحة وهي التي تحكم علينا وتبعثنا نحو أفعالنا أمور خارجة عن أفعالنا مؤثرة فينا من جهة كوننا فاعلين نروم بها إلى سعادة الحياة ، وأما هو سبحانه فإنه أجل من ذلك. وذلك أن جهات الحسن والمصلحة هذه إنما هي قوانين عامة مأخوذة من نظام الكون والروابط الدائرة بين أجزاء الخلقة ، ومن الضروري أن الكون وما فيه من النظام الجاري فعله سبحانه ، ومن الممتنع جدا أن يتقدم المفهوم المنتزع على ما انتزع منه من الفعل ثم يتخطاه ولا يقنع حتى يتقدم على فاعله الموجد له.
وأما ما في الآية من تعليل خلق السماوات والأرض بقوله : « لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » ونظائره الكثيرة في القرآن فإنما هو وأمثاله من قبيل التعليل بالفوائد المترتبة والمصالح المتفرعة وقد أخبر تعالى أن فعله لا يخلو من الحسن إذ قال : « الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » الم السجدة : ـ ٧ ، فهو سبحانه هو الخير لا شر فيه وهو الحسن لا قبح عنده وما كان كذلك لم يصدر عنه شر ولا قبيح البتة.
وليس مقتضى ما تقدم أن يكون معنى الحسن هو ما صدر عنه تعالى أو الذي أمر به وإن استقبحه العقل ، ومعنى القبيح هو ما لا يصدر عنه أو الذي نهى عنه