وبهذا يتأيد أن السورة ـ سورة هود ـ نزلت بعد سورة يونس لمكان قوله تعالى فيها : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ » إلى آخر الآيات.
وقوله : « إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ » الأمة الحين والوقت كما في قوله تعالى : « وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ » يوسف : ـ ٤٥ أي بعد حين ووقت.
وربما أمكن أن يراد بالأمة الجماعة فقد وعد الله سبحانه أن يؤيد هذا الدين بقوم صالحين لا يؤثرون على دينه شيئا ويمكن عند ذلك للمؤمنين دينهم الذي ارتضى لهم قال : « فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » المائدة : ـ ٥٤ ، وقال : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ـ إلى أن قال ـ يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » النور : ـ ٥٥ ، وهذا وجه لا بأس به.
وقيل : إن المراد بالأمة الجماعة وهم قوم يأتي الله بهم بعد هؤلاء فيصرون على الكفر فيعذبهم بعذاب الاستئصال كما فعل بقوم نوح ، أو هم قوم يأتون بعد هؤلاء فيصرون على معصية الله فتقوم عليهم القيامة.
والوجهان سخيفان لبنائهما على كون المعذبين غير هؤلاء المستهزءين من الكفار وظاهر قوله تعالى : « أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ » إلخ ، إن المعذبين هم المستهزءون بقولهم : « ما يَحْبِسُهُ ».
وقوله : « أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ » بمنزلة الجواب عن قولهم : « ما يَحْبِسُهُ » الواقع موقع الاستهزاء فإنه في معنى الرد على ما أوعدوا به من العذاب ، ومحصله أن هذا العذاب الذي يهددنا لو كان حقا لم يكن لحبسه سبب فإنا كافرون غير عادلين عن الكفر ولا تاركين له فتأخر نزول العذاب من غير موجب لتأخره بل مع الموجب لتعجيله كاشف عن كونه من قبيل الوعد الكاذب.