تعالى بتصرفه فيما هو أقرب إليه من كل شيء تصرفا بالتوفيق أو الخذلان أو أي نوع من أنواع التربية الإلهية ، يتصرف بما شاء ويحكم بما أراد من غير أن يمنعه مانع أو يهدده ذم أو لوم كما قال تعالى : « وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ » الرعد : ـ ٤١ ، وقال تعالى : « لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » التغابن : ـ ١.
فمن الجهل أن يثق الإنسان بما يجد في قلبه من الإيمان بالحق أو التلبس بنية حسنة أو عزيمة على خير أو هم بصلاح وتقوى ، بمعنى أن يرى استقلاله بملك قلبه وقدرته المطلقة على ما يهم به فإن القلب بين أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء وهو المالك له بحقيقة معنى الملك والمحيط به بتمام معنى الكلمة ، قال تعالى : « وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ » الأنعام : ـ ١١٠ ، فمن الواجب عليه أن يؤمن بالحق ويعزم على الخير على مخافة من الله تعالى أن يقلبه من السعادة إلى الشقاء ويحول قلبه من حال الاستقامة إلى حال الانتكاس والانحراف ، ولا يأمن مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وكذلك الإنسان إذا وجد قلبه غير مقبل على كلمة الحق والعزم على الخير وصالح العمل ، عليه أن يبادر إلى استجابة الله ورسوله فيما يدعوه إلى ما يحييه ، ولا ينهزم عما يهجم عليه من أسباب اليأس وعوامل القنوط من ناحية قلبه فإن الله سبحانه يحول بين المرء وقلبه ، وهو القادر على أن يصلح سره ويحول قلبه إلى أحسن حال ويشمله بروح منه ورحمة فإنما الأمر إليه ، وقد قال : « إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ » يوسف : ـ ٨٧ ، وقال : « وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ » الحجر : ـ ٥٦.
فالآية الكريمة ـ كما ترى ـ من أجمع الآيات القرآنية تشتمل على معرفة حقيقية من المعارف الإلهية ـ مسألة الحيلولة ـ وهي تقطع عذر المتجاهلين في معرفة الله سبحانه من الكفار والمشركين ، وتقلع غرة النفاق من أصلها بتوجيه نفوس المنافقين إلى مقام ربهم وأنه أعلم بما في قلوبهم منهم ، ويلقي إلى المسلمين والذين هم في طريق الإيمان بالله وآياته مسألة نفسية تعلمهم أنهم غير مستقلين في ملك قلوبهم ولا منقطعون في ذلك من ربهم فيزول بذلك رذيلة الكبر عمن يرى لنفسه استقلالا وسلطنة فيما يملكه فلا يغره ما يشاهده من تقوى القلب وإيمان السر ، ورذيلة اليأس والقنوط عمن يحيط بقلبه