قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا بلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا. قلت : وكيف لي بذلك؟ قال : إذا رزقت فلا تخبأ ، وإذا سئلت فلا تمنع ، قلت : وكيف لي بذلك؟ قال : هو ذاك وإلا فالنار.
( كلام في معنى الكنز )
لا ريب أن المجتمع الذي أوجده الإنسان بحسب طبعه الأولي إنما يقوم بمبادلة المال والعمل ، ولو لا ذلك لم يعش المجتمع الإنساني ولا طرفة عين فإنما يتزود الإنسان من مجتمعة بأن يحرز أمورا من أوليات المادة الأرضية ويعمل عليها ما يسعه من العمل ثم يقتني من ذلك لنفسه ما يحتاج إليه ، ويعوض ما يزيد على حاجته من سائر ما يحتاج إليه مما عند غيره من أفراد المجتمع كالخباز يأخذ لنفسه من الخبز ما يقتات به ويعوض الزائد عليه من الثوب الذي نسجه النساج وهكذا فإنما أعمال المجتمعين في ظرف اجتماعهم بيع وشرى ومبادلة ومعاوضة.
والذي يتحصل من الأبحاث الاقتصادية أن الإنسان الأولي كان يعوض في معاملاته العين بالعين من غير أن يكونوا متنبهين لأزيد من ذلك غير أن النسب بين الأعيان كانت تختلف عندهم باشتداد الحاجة وعدمه ، وبوفور الأعيان المحتاج إليها واعوازها فكلما كانت العين أمس بحاجة الإنسان أو قل وجودها توفرت الرغبات إلى تحصيلها ، وارتفعت نسبتها إلى غيرها ، وكلما بعدت عن مسيس الحاجة أو ابتذلت بالكثرة والوفور انصرفت النفوس عنها وانخفضت نسبتها إلى غيرها وهذا هو أصل القيمة.
ثم إنهم عمدوا إلى بعض الأعيان العزيزة الوجود عندهم فجعلوها أصلا في القيمة تقاس إليه سائر الأعيان المالية بمالها من مختلف النسب كالحنطة والبيضة والملح فصارت مدارا تدور عليها المبادلات السوقية ، وهذه السليقة دائرة بينهم في بعض المجتمعات الصغيرة في القرى وبين القبائل البدوية حتى اليوم.
ولم يزالوا على ذلك حتى ظفروا ببعض الفلزات كالذهب والفضة والنحاس ونحوها فجعلوها أصلا إليه يعود نسب سائر الأعيان من جهة قيمها ، ومقياسا واحدا يقاس إليها غيرها فهي النقود القائمة بنفسها وغيرها يقوم بها.