يحييه ، وهو التوحيد الذي هو حقيقة الدعوة الحقة فإن الله سبحانه لما كان أقرب إليه من كل شيء حتى من قلبه الذي يعرفه بوجدانه قبل كل شيء ، فهو تعالى وحده لا شريك له أعرف إليه من قلبه الذي هو وسيلة إدراكه وسبب أصل معرفته وعلمه.
فهو يعرف الله إلها واحدا لا شريك له قبل معرفته قلبه وكل ما يعرفه بقلبه ، فمهما شك في شيء أو ارتاب في أمر فلن يشك في إلهه الواحد الذي هو رب كل شيء ولن يضل في تشخيص هذه الكلمة الحقة.
فإذا دعاه داعي الحق إلى كلمة الحق ودين التوحيد الذي يحييه لو استجاب له ، كان عليه أن يستجيب داعي الله فإنه لا عذر له في ترك الاستجابة معللا بأنه لم يعرف حقية ما دعي إليه ، أو اختلط عليه ، أو أعيته المذاهب في الإقبال على الحق الصريح فإن الله سبحانه هو الحق الصريح الذي لا يحجبه حاجب ، ولا يستره ساتر إذ كل حجاب مفروض فالله سبحانه أقرب منه إلى الإنسان ، وكل ما يختلج في القلب من شبهة أو وسوسة فالله سبحانه متوسط متخلل بينه ـ مع ما له من ظرف وهو القلب ـ وبين الإنسان فلا سبيل للإنسان إلى الجهل بالله والشك في توحده.
وأيضا فإن الله سبحانه لما كان حائلا بين المرء وقلبه فهو أقرب إلى قلبه منه كما أنه أقرب إليه من قلبه فإن الحائل المتوسط أقرب إلى كل من الطرفين من الطرف الآخر وإذا كان تعالى أقرب إلى قلب الإنسان منه فهو أعلم بما في قلبه منه.
فعلى الإنسان إذا دعاه داعي الحق إلى ما يحييه من الحق أن يستجيب دعاءه بقلبه كما يستجيبه بلسانه ، ولا يضمر في قلبه ما لا يوافق ما لباه بلسانه وهو النفاق فإن الله أعلم بما في قلبه منه وسيحشر إليه فينبئه بحقيقة عمله ويخبره بما طواه في قلبه قال تعالى : « يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ » المؤمن : ـ ١٦ ، وقال : « وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً » النساء : ـ ٤٢.
وأيضا فإن الله سبحانه لما كان هو الحائل بين الإنسان وقلبه وهو المالك للقلب بحقيقة معنى الملك كان هو المتصرف في القلب قبل الإنسان وله أن يتصرف فيه بما شاء فما يجده الإنسان في قلبه من إيمان أو شك أو خوف أو رجاء أو طمأنينة أو قلق واضطراب أو غير ذلك مما ينسب إليه باختيار أو اضطرار ، فله انتساب إليه