جزء من أجزاء وجوده وكل تابع من توابع شخصه : بينه وبين قلبه ، بينه وبين سمعه ، بينه وبين بصره ، بينه ومن بدنه ، بينه وبين نفسه. يتصرف فيها بإيجادها ، ويتصرف فيها بتمليك الأسنان ما شاء منها كيف شاء ، وإعطائه ما أعطي ، وحرمانه ما حرم.
ونظير الإنسان في ذلك سائر الموجودات فما من شيء في الكون وله ذات وتوابع ذات من قوى وآثار وأفعال إلا والله سبحانه هو المالك بحقيقة معنى الكلمة لذاته ولتوابع ذاته ، وهو المملك إياه كلا من ذاته وتوابع ذاته فهو الحائل المتوسط بينه وبين ذاته وبينه وبين توابع ذاته من قواه وآثاره وأفعاله.
فالله سبحانه هو الحائل المتوسط بين الإنسان وبين قلبه وكل ما يملكه الإنسان ويرتبط ويتصل هو به نوعا من الارتباط والاتصال وهو أقرب إليه من كل شيء كما قال تعالى : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » : ق : ـ ١٦.
وإلى هذه الحقيقة يشير قوله : « وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » فهو تعالى لكونه مالكا لكل شيء ومن جملتها الإنسان ملكا حقيقيا لا مالك حقيقة سواه ، أقرب إليه حتى من نفسه وقوى نفسه التي يملكها لأنه سبحانه هو الذي يملكه إياها فهو حائل متوسط بينه وبينها يملكه إياها ويربطها به فافهم ذلك.
ولذلك عقب الجملة بقوله : « وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » فإن الحشر والبعث هو الذي ينجلي عنده أن الملك الحق لله وحده لا شريك له ، ويبطل عند ذلك كل ملك صوري وسلطنة ظاهرية إلا ملكه الحق جل ثناؤه كما قال سبحانه : « لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ » المؤمن : ـ ١٦ ، وقال : « يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ » الإنفطار : ـ ١٩.
فكأن الآية تقول : واعلموا أن الله هو المالك بالحقيقة لكم ولقلوبكم وهو أقرب إليكم من كل شيء ، وأنه ستحشرون إليه فيظهر حقيقة ملكه لكم وسلطانه عليكم يومئذ فلا يغني عنكم منه شيء.
وأما اتصال الكلام أعني ارتباط قوله : « وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » إلخ بقوله : « اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » فلأن حيلولته سبحانه بين المرء وقلبه ، يقطع منبت كل عذر في عدم استجابته لله والرسول إذا دعاه لما