عن أصل وجوده ، وأشكل من ذلك أنا نفينا بذلك مطابقة هذه الأحكام والقوانين المأخوذة من الخارج للمأخوذ منه ، والمنتزعة للمنتزع منه وهو عين السفسطة التي فيها بطلان العلم والخروج عن الفطرة الإنسانية إذ لو خالف شيء من أفعاله تعالى أو نعوته هذه الأحكام العقلية كان في ذلك عدم انطباق الحكم العقلي على الخارج المنتزع عنه ـ وهو فعله ـ ولو جاز الشك في صحة شيء من هذه الأحكام التي نجدها ضرورية كان الجميع مما يجوز فيه ذلك فينتفي العلم ، وهو السفسطة.
وأما في مرحلة العمل فليتذكر أن هذه الأحكام العملية والأمور الاعتبارية دعاو اعتقادية ومخترعات ذهنية وضعها الإنسان ليتوسل بها إلى مقاصده الكمالية وسعادة الحياة فما كان من الأعمال مطابقا لسعادة الحياة وصفها بالحسن ثم أمر بها وندب إليها ، وما كان منها على خلاف ذلك وصفها بالقبح والمساءة ثم نهى عنها وحذر منها ـ وحسن الفعل وقبحه موافقته لغرض الحياة وعدمها ـ والغايات التي تضطر الإنسان إلى جعل هذه الأوامر والنواهي وتقنين هذه الأحكام واعتبار الحسن والقبح في الأفعال هي المصالح المقتضية للجعل ففرض حكم تشريعي ولا حسن في العمل به ولا مصلحة تقتضيه كيفما فرض فرض متطارد الأطراف لا محصل له.
والذي شرعه الله سبحانه من الأحكام والشرائع متحد سنخا مع ما نشرعه فيما بيننا أنفسنا من الأحكام فوجوبه وحرمته وأمره ونهيه ووعده ووعيده مثلا من سنخ ما عندنا من الوجوب والحرمة والأمر والنهي والوعد والوعيد لا شك في ذلك ، وهي معان اعتبارية وعناوين ادعائية غير أن ساحته تعالى منزهة من أن تقوم به الدعوى التي هي من خطإ الذهن فهذه الدعاوي منه تعالى قائمة بظرف الاجتماع كالترجي والتمني منه تعالى القائمين بمورد المخاطبة لكن الأحكام المشرعة منه تعالى كالأحكام المشرعة منا متعلقة بالإنسان الاجتماعي السالك بها من النقص إلى الكمال ، والمتوسل بتطبيق العمل بها إلى سعادة الحياة الإنسانية فثبت أن لفعله تعالى التشريعي مصلحة وغرضا تشريعيا ، ولما أمر به أو نهى عنه حسنا وقبحا ثابتين بثبوت المصالح والمفاسد.
فقول القائل : إن أفعاله التشريعية لا تعلل بالأغراض كما لو قال قائل : إن ما مهده من الطريق لا غاية له ، ومن الضروري أن الطريق إنما يكون طريقا بغايته ،