وأغلظ في حلفه إنه لهما لمن الناصحين ، والنصح خلاف الغش.
قوله تعالى : « فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ » إلى آخر الآية. التدلية التقريب والإيصال كما أن التدلي الدنو والاسترسال ، وكأنه من الاستعارة من دلوت الدلو أي أرسلتها ، والغرور إظهار النصح مع إبطان الغش ، والخصف الضم والجمع ، ومنه خصف النعل.
وفي قوله : « وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ » دلالة على أنهما عند توجه هذا الخطاب كانا في مقام البعد من ربهما لأن النداء هو الدعاء من بعد ، وكذا من الشجرة بدليل قوله : « تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ » بخلاف قوله عند أول ورودهما الجنة : « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ».
قوله تعالى : « قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » هذا منهما نهاية التذلل والابتهال ، ولذلك لم يسألا شيئا وإنما ذكرا حاجتهما إلى المغفرة والرحمة وتهديد الخسران الدائم المطلق لهما حتى يشاء الله ما يشاء.
قوله تعالى : « قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ » إلى آخر الآية ، كان الخطاب لآدم وزوجته وإبليس ، وعداوة بعضهم لبعض هو ما يشاهد من اختلاف طبائعهم ، وهذا قضاء منه تعالى والقضاء الآخر قوله : « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ » أي إلى آخر الحياة الدنيوية ، وظاهر السياق أن الخطاب الثاني أيضا يشترك فيه الثلاثة.
قوله تعالى : « قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ » قضاء آخر يوجب تعلقهم بالأرض إلى حين البعث ، وليس من البعيد أن يختص هذا الخطاب بآدم وزوجته وبنيهما ، لما فيه من الفصل بلفظة « قالَ » وقد مر تفصيل الكلام في قصة الجنة في سورة البقرة فليراجعها من شاء.
كلام في إبليس وعمله
عاد موضوع « إبليس » موضوعا مبتذلا عندنا لا يعبأ به دون أن نذكره أحيانا ونلعنه أو نتعوذ بالله منه أو نقبح بعض أفكارنا بأنها من الأفكار الشيطانية ووساوسه ونزغاته دون أن نتدبر فنحصل ما يعطيه القرآن الكريم في حقيقة هذا الموجود العجيب