وقوله : « لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ » فيه أمور ثلاثة يتصف بها الذكر النفسي كما يتصف بها الذكر القولي فإن للنفس أن تتصف بحال عدم الاستكبار ، وبحال تنزيهه تعالى ، وبحال السجدة وكمال الخشوع له كما يتصف بها الذكر القولي ويعنون بها العمل الخارجي ، فليس التسبيح والسجود مما يختص بالأعضاء من لسان وغيره كما يدل عليه قوله : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » : إسراء : ٤٤ ، وقوله : « وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ » : الرحمن : ٦ ، وقوله : « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » : النحل : ٤٩.
وما في الآية من توصيف القوم بعدم الاستكبار والتسبيح والسجود أخف وأهون مما يشتمل عليه قوله تعالى : « وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » : الأنبياء : ٢٠ وقوله : « فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ » : حم السجدة : ٣٨ فإن هذه الآيات ظاهرها الاستمرار الذي لا يتخلله عدم ، ولا يتوسطه مناف ، والآية التي نبحث عنها لم يأمر إلا بما لا تثبت معه الغفلة في النفس كما عرفت.
فهذه الآية تأمر بمرتبة من الذكر هي دون ما تتضمنه آيات سورتي الأنبياء وحم السجدة والله العالم.
بحث روائي
في تفسير العياشي ، عن الحسن بن علي بن النعمان عن أبيه عمن سمع أبا عبد الله عليهالسلام وهو يقول : إن الله أدب رسوله فقال : يا محمد ـ « خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » ـ قال : خذ منهم ما ظهر وما تيسر ، والعفو الوسط.
وفي الدر المنثور ، أخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن مكارم الأخلاق عند الله أن تعفو عمن ظلمك ـ وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك.
ثم تلا النبي صلىاللهعليهوآله : « خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ـ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ».
أقول : وفي هذا المعنى روايات كثيرة مروية عن النبي صلىاللهعليهوآله من طرق أهل السنة.