إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان في تفسير القرآن [ ج ٨ ]

343/387
*

لإنبائهما عن خصوصية جسمانية لا يمكن سلبها عنهما ، ولو أمكن لم يكن مانع عن إطلاقهما عليه كالجواد والعدل والرحيم.

فكون اسم ما من أسمائه تعالى أحسن الأسماء أن يدل على معنى كمالي غير مخالط لنقص أو عدم ، مخالطة لا يمكن معها تحرير المعنى من ذلك النقص والعدم وتصفيته ، وذلك في كل ما يستلزم حاجة أو عدما وفقدا كالأجسام والجسمانيات والأفعال المستقبحة أو المستشنعة ، والمعاني العدمية :

فهذه الأسماء بأجمعها محصول لغاتنا لم نضعها إلا لمصاديقها فينا التي لا تخلو عن شوب الحاجة والنقص غير أن منها ما لا يمكن سلب جهات الحاجة والنقص عنها كالجسم واللون والمقدار وغيرها ، ومنها ما يمكن فيه ذلك كالعلم والحياة والقدرة فالعلم فينا الإحاطة بالشيء من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل مادية ، والقدرة فينا المنشأة للفعل بكيفية مادية موجودة لعضلاتنا ، والحياة كوننا بحيث نعلم ونقدر بما لنا من وسائل العلم والقدرة فهذه لا تليق بساحة قدسه غير أنا إذا جردنا معانيها عن خصوصيات المادة عاد العلم وهو الإحاطة بالشيء بحضوره عنده ، والقدرة هي المنشأة للشيء بإيجاده ، والحياة كون الشيء بحيث يعلم ويقدر ، وهذه لا مانع من إطلاقها عليه لأنها معان كمالية خالية عن جهات النقص والحاجة ، وقد دل العقل والنقل أن كل صفة كمالية فهي له تعالى وهو المفيض لها على غيره من غير مثال سابق فهو تعالى عالم قادر حي لكن لا كعلمنا وقدرتنا وحياتنا بل بما يليق بساحة قدسه من حقيقة هذه المعاني الكمالية مجردة عن النقائص.

وقد قدم الخبر في قوله : « وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » وهو يفيد الحصر ، وجيء بالأسماء محلى باللام ، والجمع المحلى باللام يفيد العموم ، ومقتضى ذلك أن كل اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد ، وإذ كان الله سبحانه ينسب بعض هذه المعاني إلى غيره ويسميه به كالعلم والحياة والخلق والرحمة فالمراد بكونها لله كون حقيقتها له وحده لا شريك له.

وظاهر الآيات بل نص بعضها يؤيد هذا المعنى كقوله : « أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً » : البقرة : ١٦٥. وقوله : « فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً » : النساء : ١٣٩ ، وقوله : « وَلا يُحِيطُونَ