وهو الذي له الإحياء والإماتة فله أن يحيي قوما أو الناس جميعا بحياة طيبة سعيدة والسعادة والهدى من الحياة كما أن الشقاوة والضلالة موت ، قال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » : الأنفال : ٢٤ ، وقال : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » : الأنعام : ١٢٢ ، وقال : « إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ، وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ » : الأنعام : ٣٦.
قوله تعالى : « فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ » إلى آخر الآية تفريع على ما تقدم أي إذا كان الحال هذا الحال فآمنوا بي فإني ذاك الرسول النبي الأمي الذي بشر به في التوراة والإنجيل ، وأنا أومن بالله ولا أكفر به وأومن بكلماته وهي ما قضى به من الشرائع النازلة علي وعلى الأنبياء السالفين ، واتبعوني لعلكم تفلحون.
هذا ما يقتضيه السياق ، ومنه يعلم وجه الالتفات من التكلم إلى الغيبة في قوله « وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي » الآية فإن الظاهر من السياق أن هذه الآية ذيل الآية السابقة ، وهما جميعا من كلام النبي صلىاللهعليهوآله.
ووجه الالتفات ـ كما ظهر مما تقدم ـ أن يدل بالأوصاف الموضوعة مكان ضمير المتكلم على تعليل الأمر في قوله : « فَآمِنُوا » وقوله : « وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ».
والمراد بالاهتداء الاهتداء إلى السعادة الآخرة التي هي رضوان الله والجنة لا الاهتداء إلى سبيل الحق فإن الإيمان بالله ورسوله واتباع رسوله بنفسه اهتداء ، فيرجع معنى قوله : « لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » إلى معنى قوله في الآية السابقة في نتيجة الإيمان والاتباع : « أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ».
قوله تعالى : « وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » وهذا من نصفة القرآن مدح من يستحق المدح ، وحمد صالح أعمالهم بعد ما قرعهم بما صدر عنهم من السيئات فالمراد أنهم ليسوا جميعا على ما وصفنا من مخالفة الله ورسوله ، والتزام الضلال والظلم بل منهم أمة يهدون الناس بالحق وبالحق يعدلون فيما بينهم فالباء في قوله : « بِالْحَقِ » للآلة وتحتمل الملابسة.
وعلى هذا فالآية من الموارد التي نسبت الهداية فيها إلى غيره تعالى وغير الأنبياء