تصورناه بل تصورنا غيره ، وعاد عند ذلك علومنا جهالات.
وإذ كان لا واسطة بين الخالق والمخلوق ليكون رابطة بينهما فلا تمكن معرفته سبحانه بشيء آخر غير نفسه فلو عرف بشيء كان ذلك الشيء هو نفسه بعينه ، وإن لم يعرف بنفسه لم يعرف بشيء آخر أبدا فدعوى أنه تعالى معروف بشيء من الأشياء كتصور أو تصديق أو آية خارجية شرك خفي لأنه إثبات واسطة بين الخالق والمخلوق يكون غيرهما جميعا وما هذا وصفه غير محتاج الوجود إلى الخالق تعالى فهو مثله وشريكه فالله سبحانه لو عرف عرف بذاته ، ولو لم يعرف بذاته لم يعرف بشيء آخر البتة لكنه سبحانه معروف ، فهو معروف بذاته أي إن ذاته المتعالية والمعروفية شيء واحد بعينه فمن المستحيل أن يكون مجهولا لأن ثبوت ذاته عين ثبوت معروفيته.
وأما بيان كونه تعالى معروفا فلأن شيئا من الأشياء المخلوقة لا يستقل عنه تعالى بذاته بوجه من الوجوه لا في خارج ولا في ذهن ، فوجوده كالنسبة والربط الذي لا يمكنه الاستقلال عن طرفه بوجه من الوجوه ، فإذا تعلق علم مخلوق بشيء من الأشياء أي وقع المعلوم في ظرف علمه لم يتحقق هناك إلا ومعه خالقا متكئا بوجوده عليه وإلا لاستقل دونه فلا يجد عالم معلومه إلا وقد وجد الله سبحانه قبله ، والعالم نفسه حيث كان مخلوقا لم يستقل بالعلم إلا بالله سبحانه الذي قوم وجود هذا العالم ، ولو استقل به دونه كان مستقلا دونه غير مخلوق له ، فالله سبحانه يحتاج إليه العالم في كونه عالما كما يفتقر إليه وجود المعلوم في كونه معلوما أي إن العلم يتعلق باستقلال ذات المعلوم أي إن الله سبحانه هو المعلوم أولا ويعلم به المعلوم ثانيا كما أنه تعالى هو العالم أولا وبه يكون الشيء عالما ثانيا فافهم ذلك وتدبر في قوله تعالى : « وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ » : البقرة : ٢٥٥ ، وفي قوله عليهالسلام : « ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ».
فقد تبين أنه تعالى معروف لأن ثبوت علم ما بمعلوم ما في الخارج لا يتم إلا بكونه تعالى هو المعروف أولا ، وثبوت ذلك ضروري.
فقوله عليهالسلام : « من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو صورة أو مثال فهو مشرك كان المراد بالحجاب هو الشيء الذي يفرض فاصلا بينه تعالى وبين العارف ، وبالصورة الصورة الذهنية المقارنة للأوصاف المحسوسة من الأضواء والألوان والأقدار وبالمثال ما