والمراد بالشرك في الآية ما يعم الكفر لا محالة فإن الكافر أيضا لا يغفر له البتة وإن لم يصدق عليه المشرك بعنوان التسمية بناء على أن أهل الكتاب لا يسمون في القرآن مشركين وإن كان كفرهم بالقرآن وبما جاء به النبي شركا منهم أشركوا به ( راجع تفسير آية ٢٢١ من البقرة ) ، وإذا لم يؤمن أهل الكتاب بما نزل الله مصدقا لما معهم فقد كفروا به ، وأشركوا ما في أيديهم بالله سبحانه فإنه شيء لا يريده الله على الصفة التي أخذوه بها فالمؤمن بموسى عليهالسلام إذا كفر بالمسيح عليهالسلام فقد كفر بالله وأشرك به موسى ، ولعل ما ذكرناه هو النكتة لقوله تعالى : ( أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) دون أن يقول : المشرك أو المشركين.
وقوله تعالى : « لِمَنْ يَشاءُ » تقييد للكلام لدفع توهم أن لأحد من الناس تأثيرا فيه تعالى يوجب به عليه المغفرة فيحكم عليه تعالى حاكم أو يقهره قاهر ، وتعليق الأمور الثابتة في القرآن على المشيئة كثير والوجه في كلها أو جلها دفع ما ذكرناه من التوهم كقوله تعالى : ( خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) : « هود : ١٠٨ ».
على أن من الحكمة ألا يغفر لكل مذنب ذنبه وإلا لغا الأمر والنهي ، وبطل التشريع ، وفسد أمر التربية الإلهية ، وإليه الإشارة بقوله : ( لِمَنْ يَشاءُ ) ، ومن هنا يظهر أن كل واحد من المعاصي لا بد أن لا يغفر بعض أفراده وإلا لغا النهي عنه ، وهذا لا ينافي عموم لسان آيات أسباب المغفرة فإن الكلام في الوقوع دون الوعد على وجه الإطلاق ، ومن المعاصي ما يصدر عمن لا يغفر له بشرك ونحوه.
فمعنى الآية أنه تعالى لا يغفر الشرك من كافر ولا مشرك ، ويغفر سائر الذنوب دون الشرك بشفاعة شافع من عباده أو عمل صالح ، وليس هو تعالى مقهورا أن يغفر كل ذنب من هذه الذنوب لكل مذنب بل له أن يغفر وله أن لا يغفر ، كل ذلك لحكمة.
قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ » قال الراغب : أصل الزكاة النمو الحاصل من بركة الله تعالى ـ إلى أن قال ـ : وتزكية الإنسان نفسه ضربان : أحدهما : بالفعل وهو محمود ، وإليه قصد بقوله : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) ، والثاني بالقول كتزكيته لعدل غيره ، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه ، وقد نهى الله تعالى عنه فقال : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) ، ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلا وشرعا ، ولهذا قيل