المدنية بل في جميع السنن الإنسانية حتى الهمجية قليلا أو كثيرا على اختلافها ، والكلمة الجامعة لجميع هذه المعاني هي قوله تعالى : ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) على ما تبين.
وأما قوله تعالى : « فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً » فهو من قبيل إظهار الأمر المعلوم في صورة المشكوك المحتمل اتقاء من تيقظ غريزة التعصب في المخاطب نظير قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) : « سبأ : ٢٥ ».
فقد كان المجتمع الإنساني يومئذ ( عصر نزول القرآن ) لا يوقف النساء في موقفها الإنساني الواقعي ، ويكره ورودها في المجتمع ورود البعض المقوم بل المجتمعات القائمة على ساقها يومئذ بين ما يعدهن طفيليات خارجة لاحقة ينتفع بوجودها ، وما يعدهن إنسانا ناقصا في الإنسانية كالصبيان والمجانين إلا أنهن لا يبلغن الإنسانية أبدا فيجب أن يعشن تحت الإتباع والاستيلاء دائما ، ولعل قوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ ) ، حيث نسب الكراهة إلى أنفسهن دون نكاحهن إشارة إلى ذلك.
قوله تعالى : « وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ » إلى آخر الآية ، الاستبدال استفعال بمعنى طلب البدل ، وكأنه بمعنى إقامة زوج مقام زوج أو هو من قبيل التضمين بمعنى إقامة امرأة مقام أخرى بالاستبدال ، ولذلك جمع بين قوله ( ، أَرَدْتُمُ ) وبين قوله : ( اسْتِبْدالَ ) إلخ مع كون الاستبدال مشتملا على معنى الإرادة والطلب ، وعلى هذا فالمعنى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ ) أن تقيموا زوجا مقام أخرى بالاستبدال.
والبهتان ما بهت الإنسان أي جعله متحيرا ، ويغلب استعماله في الكذب من القول وهو في الأصل مصدر ، وقد استعمل في الآية في الفعل الذي هو الأخذ من المهر ، وهو في الآية حال من الأخذ وكذا قوله : ( إِثْماً ) ، والاستفهام إنكاري.
والمعنى : إن أردتم أن تطلقوا بعض أزواجكم وتتزوجوا بأخرى مكانها فلا تأخذوا من الصداق الذي آتيتموها شيئا وإن كان ما آتيتموها مالا كثيرا ، وما تأخذونه قليلا جدا.