ولما كان مدار الخشية على معرفة المخشى ، كانت الخشية له تعالى على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله ، فمن كان اعلم به كان اخشى له.
وفي الحديث : اعلمكم بالله اشدكم خشية له (١).
وقال بعض الفضلاء : المراد بالعلم قريب مما يراد من الفقه ، لا المعاني المصطلحة المستحدثة ، كحصول الصورة ، او الصورة الحاصلة عند العقل ، او ملكة تقتدر بها على ادراكات جزئية وما اشبه ذلك ، فان العلماء ورثة الانبياء ، وليس شيء من هذه المعاني ميراث الانبياء.
اقول : قد روي عن الصادق ـ عليه السلام ـ انه قال : ان الانبياء انما اورثوا الاحاديث من احاديثهم ، فمن اخذ بشيء منها فقد اخذ حظاً وافراً (٢).
وعلى هذا فالمراد بالعلماء هم المحدثون العاملون بها ، لقوله ـ عليه السلام ـ في حديث آخر : يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم (٣).
ثم قال هذا الفاضل : وقد قال الله تعالى : « انما يخشى الله من عباده العلماء » فقد جعل العلم موجباً للخشية والخوف ، لتعليق الحكم على الوصف ، فجميع ما ارتسم في ذهنك من التصورات والتصديقات التي لا توجب لك الخشية والخوف ، وان كانت في كمال الدقة والغموض ، فليست من العلم في شيء بمقتضى الآية الكريمة ، بل هي جهل محض ، بل الجهل خير منها. انتهى كلامه.
وفيه ان العلم عبارة عن انكشاف المعلوم على العالم : اما بذاته ، او بصورته من غير ان يعتبر فيه افادة الخشية وعدمها. نعم لو كان المعلوم مما له هيبة ، فربما
____________
(١) نفس المصدر.
(٢) اصول الكافي : ١ / ٣٢ ح ٢.
(٣) اصول الكافي : ١ / ٣٦ ح ٢.