* انما يخشى الله من عباده العلماء [ الآية : ٢٨ ]
دل بمنطوقه على ان العلماء يخشون الله لعلمهم ، لان تعليق الحكم على الوصف يشعر بعليته ، وبمفهومه على ان غير العلماء لا يخشون الله لجهلهم.
والمراد من العلم في الآية هو علم الشريعة لشرفه ، ولانه هو العلم النافع ، فكأن العلم منحصر فيه ، كما دلت عليه الظواهر.
وأما تخصيصه بعلم الفروع ، فهو اصطلاح مستحدث حدث بعد الصحابة والتابعين ، وليس في كلام الاسلاف منه عين ولا اثر.
وهذا الاصطلاح المستحدث لم يثبت في العلم ، كما ثبت في الفقه ، وكأن الوجه فيه ان الفقه لما اعتبر في مفهومه لغة ثم عرفاً تدقيق النظر واستعمال الفطنة ، خص بعلم الفروع بتلك المناسبة ، لاحتياجه الى مزيد تدقيق واستعمال فطنة ، بخلاف العلم ، فانه لم يعتبر ذلك في مفهومه لا لغة ولا عرفاً.
وانت خبير بأن في الآية جعل العلم موجباً للخشية ، ومعناه كما قيل : ان الخشية لا توجد بدون العلم ، لا كلما وجد العلم وجدت الخشية ، ليلزم ان ما لا خشية فيه لا يكون علماً.
وقال الطبرسي رحمه الله : ومتى قيل قد نرى من العلماء من لا يخاف الله ويركب المعاصي ، فالجواب انه لا بد من ان يخافه مع العلم به ، وان كان ربما يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللذة (١).
والظاهر من كلامه هذا ان العلم بالله لا ينفك عن الخشية له ، كما ان الخشية له لا تنفك عن العلم به ، فهما متلازمان ، فكل ما تحقق احدهما تحقق الاخر ، كما اشار اليه الغزالي.
____________
(١) مجمع البيان : ٤ / ٤٠٧.