والأولياء والصالحين وأدوارهم المعنوية ، مدَّعين أنّ هؤلاء لا يمكنهم الاتصال بعالم الدنيا بعد فناء أجسادهم جرياً مع الظواهر الطبيعية التي عرفوها في الحياة المادية الدنيوية وما اعتادوا على فهمه في الجاهلية ؟
فلو كان هؤلاء قد عرفوا قوله تعالى : ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (١) حق معرفته لعرفوا مقامات أولئك المصطفين وما منحهم رب العالمين من مكانة ، ولَمَا شكّكوا ولما قالوا جزافاً. فإبليس مع طغيانه يخاطب رب العزة بأنه سيجدّ ويسعى لإضلال أبناء آدم ، لكنه لا يقدر على فئة منهم لقوله : ( لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) (٢) أو قوله : ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ). (٣)
وعليه فالوقوف على أسرار عالم الغيب يجعلنا نفهم وندرك الأمُور بعمق أكثر مما نحن فيه ، ونحن ـ والحق يقال ـ لا ندرك كنه مقام النبي وفاطمة والأئمة عليهم السلام ؛ لأن عالمهم الغيبي أسمى من عالمنا بكثير ؛ ولأنّ أبعاد ذلك العالم وصلاحياته وذاتياته مجهولة لكثير منا ، فلا يمكن للذين يفكرون تفكيراً مادّياً وحسياً كالوهابية اليوم أن يعرفوا كيف يكون الرسول شهيداً علينا وبعد أربعة عشر قرناً ؟ وذلك في قوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) ، (٤) وقوله تعالى : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
_______________________________________
١. البقرة : ٢٤٩.
٢. الإسراء : ٦٢.
٣. ص : ٨٢ ، ٨٣.
٤. البقرة : ١٤٣.