والنصارى وإخوانهم ، وأخذوا يتخبطون في سبيلهم تخبط الأعمى الأصم على غير هدى ولا نور.
وقد تفرقت الأمة على هذه القلوب والعلوم والفلسفات فرقا شتى وطرائق قددا ، كل فرقة قد أخذت من مشابهة هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء من يهود ونصارى وفروخ اليونان بحظ ونصيب قل أو كثر على قدر افتتانهم بشبهاتهم وبعدهم عن طريق الأنبياء وهدى المرسلين وهو القرآن الذي ( لاٰ يَأْتِيهِ اَلْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاٰ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) وما صح من قول الرسول المبلغ عن اللّه والمبين لما نزل عليه ، وما وقى اللّه من شر هذه الفتنة إلا أهل الحديث المتبعين للأثر الذين جعلوا عقولهم وآراءهم تحت حكم ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم استمساكا بالعروة الوثقى والحبل المتين ( وَلَوِ اِتَّبَعَ اَلْحَقُّ أَهْوٰاءَهُمْ لَفَسَدَتِ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَاَلْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ) (٢) « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به » (٣) صلى اللّه عليه وآله وصحبه وسلم.
وإن أقرب فرق هذه الأمة إلى اليهود وأشدها مشابهة لهم في أخلاقهم وأقوالهم وقلوبهم وأعمالهم فرقة الروافض فإنهم زعموا العصمة لائمتهم كعصمة الأنبياء أو أعظم وضلوا ، فإنما فضيلة الأنبياء وعلو قدرهم بأن اللّه تعالى وهبهم من العصمة والكمال بالرسالة والوحي ما لم يشاركهم فيه أحد ولا يساويهم فيه بشر آخر ، وإلا لم يكن لهم فضل ولا مزية ، وكانت القدوة بغيرهم مساوية للقدوة بهم ، والأخذ عنهم كالأخذ عن غيرهم ، وتلك هي مقالة أهل الكتاب وعقيدتهم ( اِتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَرُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اَللّٰهِ ) (٤) وكانوا يكتبون لهم الكتاب بأيديهم
__________________
١ ـ سورة فصلت ، الآية ٤٢.
٢ ـ سورة المؤمنون ، الآية ٧١.
٣ ـ قال النووي : حديث حسن صحيح.
٤ ـ سورة التوبة ، الآية ٣١.