وأما القلوب السقيمة فهي قلوب المتأخرين الذين فتح عليهم الشيطان بابا واسعا من فنون الجدل وكثرة القيل والقال والمماحكات اللفظية وأقوال أهل الكتاب من اليهود أشد الناس كراهية للأنبياء وتحقيرا لهم ومشاقة لهم وكفرا بهم وتقتيلا ( إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَيَقْتُلُونَ اَلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ اَلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ اَلنّٰاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا وَاَلْآخِرَةِ وَمٰا لَهُمْ مِنْ نٰاصِرِينَ ) (١) ( ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كٰانُوا يَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَيَقْتُلُونَ اَلْأَنْبِيٰاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) (٢) ومن النصارى الضلال الذين غلوا في دينهم غير الحق بجهلهم وعمى بصائرهم حتى اتخذوا عيسى وأمه إلهين من دون اللّه واتخذوا غيرهما كذلك من قساوستهم ورهبانهم. ومن فلسفة أرسطو وإخوانه الذين كانوا يعبدون الأصنام ويكفرون باللّه تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وزعم لهم شياطين الجن والأنس أن هذه الفلسفة هي ميزان العقل الذي لا يميل وأن قضاياها المنطقية مسلمات وأن الواجب عرض ما جاءت به الأنبياء على هذه القضايا فما وافقها فهو المقبول وما خالفها لا تعبأوا به شيئا واطلبوا له وجوه الرد بكل ما تقدرون من تحريف وتأويل ودعوى أنه ظني وأنه خبر آحاد وغير ذلك من كل ما يعزله عن وظيفته ويطمس نور حقيقته.
فلما فتح الشيطان هذا الباب ، وأسقم القلوب بهذه العلل أخذ يخادع أصحابها عن أنفسهم ويوهمهم أنهم لا يزالون على الهدى المستقيم وشغلهم بالمماحكات اللفظية عن المواعظ القلبية والهدايات الروحية فجرهم ذلك كله إلى مناقشة هذا القصص القرآني مناقشات بعيدة عن الهدى والصواب وخاضوا فيما لم يخض فيه الأنبياء وأتباعهم ، بل فيما خاض فيه اليهود
__________________
١ ـ سورة آل عمران ، الآية ٢١ ـ ٢٢.
٢ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٨٢.