على أن يزاول المبشرون البروتستانت تبشيرهم بحرية بين المسلمين أنفسهم. وقد بدا أن الوقت الذي اختير لمثل هذه المبادرة کان موفقاً نظراً لما شمل الدولة العثمانية من حرکة إصلاحية تهدف إلى إصلاح أنظمة الدولة وتحسين وضع الشعوب الخاضعة للسطان.
وهکذا فبعد ان توصل ممثل بريطانيا لدي الباب العالي اللورد ( stattford ) يسانده السفير الفرنسي، إلى إلغاء الفرمان الذي يمنع الانتقال من طائفة مسيحية إلى أخرى في ١٨٤٤ بدأ محاولاته في الالحاح على رفعت باشا الصدر الأعظم آنذاک من أجل أن يُلغى رسمياً الاعدام المفروض على کل من يرتد عن الاسلام (١).
وفي عام ١٨٥٥ في خلال المفاوضات التي سبقت عقد معاهدة باريس (٢) طلب (stattford) هذا من السلطان أن يعترف بصراحة لرعاياه المسلمين بالحق في الانتقال إلى المسيحية بحرية. غير أن ممثلي فرنسا وروسيا والنمسا لم يساندوا هذا الطلب لأنهم لم يروا أن هناک فائدة تجنيها المسيحية من وراء هذا التوسيع لمفهوم الحرية الدينية. أما المندوب العثماني فقد رفض بشکل قاطع مناقشة اقتراح السفير الانجليزي هذا مشيراً إلى أن أمراً مثل هذا يقوم به السلطان سيوجه إلى مکانته باعتباره خليفة للمؤمنين (٣) ضربة لا يمکن تلافي نتائجها.
______________________
(١) (ed. Engelhardt. Op. cit. t. ١. p. ١٢٩ff.)
(٢) المقصود هنا هو المعاهدة التي أنهت حرب القرم (١٨٥٣ ـ ١٨٥٦) والتي وقعها في باريس في آذار ١٨٥٦ ممثلو بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وسردينيا وبروسيا والدولة العثمانية ـ المترجم.
(٣) يعني أميراً للمؤمنين وخليفة لرسول الله ـ المترجم.