وقد هدد إصرار سفير بريطانيا العظمى وتصلب الأتراک أعمال المؤتمر التمهيدي بالانقطاع نهائياً لو لا أن توصل الجانبان إلى إتفاق وسط صيغ بقرار صدر على النحو التالي: «بما أن اعتناق أي دين يعتبر في ترکيا قضية حرة فإن أياً من الرعايا العثمانيين لا يمکن أن يلاحق أو يجري التضييق عليه بسبب دينه ولا ان يجبر على ترکه». وقد أقام المبشرون البروتستانت حقهم في التبشير بالمسيحية بين المسلمين على هذه العبارة الغامضة.
لقد ازداد الخطر المقترن بنشاط من هذا النوع بسبب من أن المبشرين المتحمسين لم يشاؤوا أبداً أن يحسبوا الحساب لعدم احتمال رجال الدين المسلمين وتعصب السکان الجهلة. فهم لم يکتفوا بأن يقوموا هم أنفسهم بمهاجمة الاسلام في مواعظهم وإرشاداتهم بل دعوا المسلمين الذين تحولوا عن الاسلام حديثاً إلى أن يفعلوا ذلک أيضاً. وقد هدد اسطنبول في ١٨٦٤غضب عارم أصاب العامة؛ لأن خمسة من المسلمين الذين تحولوا إلى البروتستانتية واحدهم کان ملّا سابق أخذوا يشتمون دينهم السابق علناً وبعبارات مهينة. ولم تتمکن الحکومة من أخماد الحريق الآخذ بالاشتعال إلّا بعد أن اعتقلت المرتدين فوراً ومنعت الاجتماعات العامة التي يقوم بها البروتستانت وأغلقت الدکاکين التي يباع فيها الکتاب المقدس (١).
إن سفير بريطانيا العظمي آنذاک (sir h. bulwer) ليس فقط لم يحتج على أوامر السلطات العثمانية هذه وإنما قدر في رسالة کتبها إلى وزير الخارجية الانجليزي تسامح العثمانيين حق قدره واتهم في ذلک کله
______________________
(١) (ed. Englhardt. Op. cit. T. II. P. ٨١ ff.)