الأصل الجهتي ويكون المقدّم في هذا الأصل هو الرواية المخالفة ، وتكون الرواية الموافقة لهم خارجة عن هذا الأصل ، ومع فرض خروجها عن الأصل الجهتي يلزمنا عدم إعمال الأصل الصدوري فيها ، لكون إعماله فيها حينئذ لغواً ، فالرواية الموافقة لهم يكون الساقط فيها كلا الأصلين ، ولا تكون محكومة بالصدور ، لكن ذلك لا يجعل المخالفة من المرجّحات الصدورية كي يكون حالها حال غيرها كالشهرة مثلاً ليكون كلّ منهما في عرض الآخر ، هذا.
ولكن لا يخفى أنّ هذه الإشكالات والتمحّل في الجواب عنها إنّما نشأ عن دعوى كون الترجيح بمخالفة العامّة راجعاً إلى الحكم بأنّ موافقهم صادر تقية ، وأنّ الساقط فيه هو أصالة جهة الصدور ، ولكن الذي يظهر من كون الرشد في خلافهم هو كون موافقهم بعيداً عن الرشد ، وأنّ الأقرب إلى الرشد من المتعارضين ما يكون منهما مخالفاً لهم ، فلا يكون المتحصّل من هذا المرجّح إلاّ الترجيح بالأقربية إلى الواقع ، وإن شئت فسمّه مرجّحاً مضمونياً ، أو شئت فسمّه مرجّحاً صدورياً.
والذي يظهر من المقبولة (١) هو الأوّل ، حيث قد جعلته في مرتبة مخالفة الكتاب ، ولولا المقبولة لجعلنا هذه المرجّحات ـ أعني الشهرة وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ـ كلّها في مقام الترجيح في أصالة الصدور في عرض واحد ، لكن المقبولة جعلت الترجيح بأحد الأخيرين في طول الشهرة ، لأنّها إنّما حكمت بالترجيح بأحدهما عند فرض التساوي من حيث الشهرة ، ومقتضاه الترجيح أوّلاً بالشهرة ، ومع التساوي يكون الترجيح بأحد هذين المرجّحين ، وعند اجتماع هذين المرجّحين يقع التزاحم بينهما ، ولا يبعد القول بأنّ نتيجة ذلك التزاحم هو
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ ـ ١٠٧ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.