فلابدّ في توضيح المطلب من تقرير آخر : وهو أنّك قد عرفت فيما تقدّم (١) أنّ التعبّد بالصدور يتوقّف على كون ما يتعبّد بصدوره صادراً لبيان الواقع لا لتقية ونحوها ، بمعنى أنّ الحكم بصدور هذا الخبر يتوقّف على عدم كونه تقية لو فرض كونه صادراً ، وإلاّ فلو كان تقية على فرض صدوره لا يكون الحكم بصدوره إلاّلغواً.
وحينئذ فالحكم بصدور الخبر يتوقّف على تحقّق قضية تعليقية مفادها أنّ هذا الخبر لو كان صادراً لكان بلا تقيّة ، فلا يكون الخبر ساقطاً عن الحجّية إلاّ إذا لم يتحقّق فيه عقد الوضع الذي تضمّنه الشرط في هذه القضية التعليقية أعني الصدور ، أو لم يتحقّق عقد الحمل وهو كونه بلا تقية.
ولا يخفى أنّه عند انتفاء عقد الحمل لابدّ أن ينتفي عقد الوضع ، لكنّه لا ابتداءً بل بواسطة انتفاء عقد الحمل ، وذلك كما لو علمنا بأنّ هذه الرواية تقية لكونها مخالفة لما هو المعلوم من مذهبنا ، كأن تكون دالّة على المنع من نكاح المتعة مثلاً ، فإنّ سقوط مثل هذه الرواية يكون لسقوط عقد الحمل فيها ، وسقوط عقد الحمل فيها يكون موجباً لسقوط عقد الوضع ، بمعنى أنّ تحقّق كون هذه الرواية تقية وانتفاء كونها بلا تقية الذي هو عقد الحمل في تلك القضية التعليقية يكون موجباً لسقوط عقد الوضع فيها وهو صدورها ، فإذا لم يمكننا أن نقول إنّ هذه الرواية لو صدرت لكانت بلا تقية ، لم يمكننا أن نحكم بصدورها استناداً إلى أصالة الصدور ، لكون الحكم المذكور حينئذ لغواً.
وفي مثل الروايتين المتعارضتين مع فرض التساوي تكون هذه القضية التعليقية جارية في كلّ منهما ، ومقتضى ذلك هو كون كلّ منهما في حدّ نفسه
__________________
(١) في الصفحة : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ وكذا في الصفحة : ٢٦٥.