فأقصى ما في ذلك هو أن يقال نجمع بين الاطلاقين بما تقدّم من الاستدلال على العرضية ، فنقيّد كلاً من الاطلاقين بما عدا مورد الآخر ، ولا وجه حينئذ لدعوى تقديم إطلاق المقبولة على إطلاق غيرها.
والجواب عن هذا الإشكال أن يقال : ليس المراد أنّ الاطلاق في المقبولة يقدّم على الاطلاق في الأخبار ، بل المراد أنّ المقبولة تدلّ على أنّ مرجّحية اللاحق مقيّدة بعدم المرجّح السابق ، وبهذا التقييد تقدّم على إطلاق الخبر المقتصر فيه على ذكر ذلك المرجّح اللاحق.
وإن شئت التوضيح فقل : بعد إسقاط صفات الراوي عن المرجّحية يبقى لنا مرجّحات ثلاثة : المرجّح الصدوري وهو الشهرة ، والمرجّح الجهتي وهو مخالفة العامّة ، والمرجّح المضموني وهو موافقة الكتاب. والأوّل مقدّم على الأخيرين ، وهما في عرض واحد ، هذا ما دلّت عليه المقبولة ، ولنا أخبار أُخر تضمّن كلّ واحد منها مرجّحاً واحداً.
وحينئذ نقول : أمّا إطلاق المقبولة في مرجّحية الشهرة ، فلا يعارضه شيء ، لعدم وجود رواية من تلك الروايات متعرّضة لمرجّحيتها.
وأمّا ما تضمّن مرجّحية غيرها كمخالفة العامّة وموافقة الكتاب ، فلأنّ دلالة المقبولة على تقييد مخالفة العامّة وموافقة الكتاب يوجب تقييدها بعدم وجود المرجّح الأوّل أعني الشهرة ، ويكون ذلك موجباً لتقييد إطلاق ما دلّ على مرجّحية مخالفة العامّة أو موافقة الكتاب من تلك الأخبار.
لا يقال : إنّ المقبولة دلّت على تأخّر مرجّحية مخالفة العامّة عن موافقة الكتاب بقوله : « أرأيت إن كان الفقيهان ـ إلى قوله عليهالسلام ـ ما خالف العامّة ففيه الرشاد ».