لأنّا نقول : لو خلّينا نحن وهذه الفقرة لكانت دالّة على الترتيب المذكور ، إلاّ أنّ تقدّم قوله : « ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به » الخ ، يدلّ على أنّهما في عرض واحد ، غاية الأمر السائل احتمل أن يكون مجموعهما مرجّحاً واحداً ، فلأجل ذلك سأل عن حكم انفراد أحدهما عن الآخر ، فأُجيب بأنّ الباقي وهو مخالفة العامّة أيضاً مرجّح.
نعم ، الرواية الرابعة (١) من الروايات التي ذكرها الشيخ قدسسره (٢) تدلّ على تأخّر مرجّحية مخالفة العامّة عن موافقة الكتاب ، وبذلك تقدّم على المقبولة من جهة دلالتها على كونهما في عرض واحد ، وإن كانت المقبولة مقدّمة عليها في دلالتها على تقدّم مرجّحية الشهرة على مخالفة العامّة.
ثمّ إنّه قدسسره أفاد أُموراً هي كالخلاصة لما تقدّم.
الأوّل : أنّ موارد هذه المرجّحات ـ أعني الصدور والجهة والمضمون ـ لا إشكال في كونها مترتّبة ، وأنّ لكلّ واحد من هذه الموارد أصلاً جارياً فيه ، فالأصل الجاري في الأوّل هو أصالة الصدور المأخوذة من عمومات حجّية خبر الواحد ، وفي الثاني أصالة كون الكلام من كلّ متكلّم لبيان مراده الواقعي الجدّي لا للتقية ونحوها ، وفي الثالث أصالة مطابقة كلام كلّ متكلّم للواقع النفس الأمري ، وإليه ينتهي وجوب اتّباع ذلك المراد ، ونعبّر عن الأوّل بأصالة الصدور ، وعن الثاني بالأصل الجهتي ، وعن الثالث بوجوب الاتّباع.
ثمّ إنّ المرجّح في أحد المتعارضين لابدّ أن يكون مخصّصاً للأصل الجاري
__________________
(١) وهي ما رواه القطب الراوندي رحمهالله ، راجع وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٨ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢٩.
(٢) فرائد الأُصول ٤ : ٦٣ ـ ٦٤.