ويكون ذلك من باب الفتوى بالتخيير في العمل ، لكن يكون الحاكم هو العامل بتلك الفتوى.
أمّا لو كان في البين حاكمان ، وكان كلّ منهما يروي رواية في المسألة تعارض رواية الحاكم الآخر ، فمع قطع النظر عن كون المسألة من قبيل قضاء التحكيم الذي هو مورد المقبولة (١) ، ينبغي أن يقال إنّ النافذ من الحكمين هو حكم السابق ، وأنّه لا يجوز للآخر أن يحكم على خلافه ، ولو اقترنا فالقاعدة تقتضي التساقط ، إلاّ أن نلتزم بالترجيح عملاً بالمقبولة.
والظاهر أنّ الحكم كذلك في صورة قضاء التحكيم إلاّفي نفوذ الحكم السابق وعدم جواز المداخلة للاحق ، فإنّ ذلك لا يتأتّى في قضاء التحكيم الذي هو مبني على مدخلية اجتماع الحكمين ، ففي صورة اجتماع الحكمين المتخالفين هل يكون المرجع هو ما تضمّنته المقبولة من الترجيح ، أو التساقط ، أو التخيير في العمل على أحد الحكمين إن اتّفقا على اختيار واحد منهما ، وإلاّ ففيه تأمّل وإشكال ، والمسألة محتاجة إلى مراجعة كتاب القضاء.
وقد تعرّض المرحوم المحقّق الميرزا حبيب الله قدسسره (٢) لذلك في إشكالاته على المقبولة ، فراجعه فإنّه بذلك حقيق.
ثمّ لا يخفى أنّ عدم تصوّر التخيير العملي بين مدلولي الروايتين لا ينحصر بما أُفيد من مقام التنازع ، بل هو جار فيما لو كان مدلول إحدى الروايتين هو الوجوب والأُخرى عدم الوجوب ، فإنّه لا معنى للتخيير العملي بين الوجوب وعدمه ، وهكذا الحال في جميع ما هو من هذا القبيل ، إلاّ إذا قلنا إنّ التخيير
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.
(٢) بدائع الأفكار : ٤٣٥.