وهلمّ جرّا في المعاملات ، مثل أنّ المعاملة المخالفة للشرط أو النذر تكون فاسدة ، ومثل أنّ الحقّ المتعلّق بالعين كالخيار والرهن يوجب فساد التصرّفات الناقلة ممّن عليه ذلك الحقّ ، ومثل أنّ فساد الشرط يوجب فساد المعاملة التي أُخذ فيها ذلك الشرط ، وهل يكون فساده موجباً لخيار من له الشرط لو لم نقل بكونه موجباً لفساد المعاملة ، وهل يكون تخلّف الشرط الصحيح موجباً للخيار أو أنّه لا يوجب إلاّ الاجبار ، وهل الخيار في طول الاجبار ، إلى غير ذلك من أمثال هذه المباحث التي لا مدرك فيها إلاّتلك البراهين العقلية التي يقيمها الفقيه في إثبات تلك الأحكام.
فهل يمكن أن يقال : إنّ الفقيه يوكل هذه الأحكام إلى العامي ويذره وما يحكم به عقله كما تضمّنته الكفاية ، أو أنّ بين ما تعرّضت له الكفاية وبين هذه المباحث فرقاً واضحاً ، فإنّ ما تعرّضت له الكفاية ليس إلاّحكماً عقلياً صرفاً ، وهذه المباحث يكون الحكم العقلي مدركاً للحكم الشرعي ، ويكون ذلك الاستدلال موجباً لقطع المستدلّ بالحكم ، وحينئذ يسوغ له الإخبار بذلك الحكم ، وهو معنى الافتاء؟ فلاحظ وتدبّر.
وعلى أيّ حال ، فإنّ هذه المدارك العقلية توجب القطع بالحكم الشرعي المأخوذ عنها ، فما ذكرناه من أنّ باب القطع بالحكم الشرعي منسدّ إنّما يتمّ فيما لو كان الدليل عليه هو الأدلّة السمعية كالكتاب والسنّة ، لا فيما يكون دليله الأحكام العقلية ، كما أنّ ما أنكرناه من الدليل الرابع ـ أعني دليل العقل ـ إنّما هو ما فسّروه به من قاعدة التحسين والتقبيح وقاعدة الملازمة ، دون هذه البراهين العقلية التي كانت هي المرجع في الأحكام الشرعية المذكورة ، فلاحظ وتدبّر.