ومنه قوله تعالى : ( وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ) [ ٧ / ١٤٣ ] أي سقط على وجهه مغشيا عليه. وقوله : ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا ) [ ٣٤ / ١٤ ] الآية يريد بذلك سليمان بن داود ، وكان عمره إذ ذاك على ما نقل ثلاثا وخمسين سنة ، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وملكه أربعون سنة.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ أَمَرَ الْجِنَّ فَبَنَوْا لَهُ بَيْتاً مِنْ قَوَارِيرَ. قَالَ : فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكٍ عَلَى عَصَاهُ يَنْظُرُ إِلَى الشَّيَاطِينِ كَيْفَ يَعْمَلُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ إِذْ حَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مَعَهُ فِي الْقُبَّةِ ، فَفَزِعَ مِنْهُ وَقَالَ : مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي لَا أَقْبَلَ الرِّشَا وَلَا أَهَابُ الْمُلُوكَ ، أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَقَبَضَهُ وَهُوَ مُتَّكٍ عَلَى عَصَاهُ ، فَمَكَثُوا سَنَةً يَبْنُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَدْأَبُونَ وَيَعْمَلُونَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ ـ وَهِيَ الْعَصَا ـ ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) (١).
قِيلَ لَمَّا هَلَكَ سُلَيْمَانُ وَضَعَ إِبْلِيسُ السِّحْرَ وَكَتَبَهُ فِي كِتَابٍ ثُمَّ طَوَاهُ وَكَتَبَ عَلَى ظَهْرِهِ هَذَا مَا وَضَعَهُ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ ، مَنْ أَرَادَ كَذَا وَكَذَا فَلْيَعْمَلْ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ دَفَنَهُ تَحْتَ السَّرِيرِ ثُمَّ اسْتَشَارَهُ لَهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ : مَا كَانَ يَغْلِبُنَا سُلَيْمَانُ إِلَّا بِهَذَا (٢).
قوله : ( لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً ) [ ٢٥ / ٧٣ ] أي كانوا مستبصرين ليسوا بشكاك.
وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِعُ الْآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فِيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ».
يريد بتأويلها بالرأي ونحوه ، يَخِرُّ أي يسقط عن درجة الاعتبار والثواب هذا المقدار. والخَرِيرُ : صوت الماء والريح. ومنه الدُّعَاءُ « سَجَدَ لَكَ خَرِيرُ الْمَاءِ ».
ومثله « خَرِيرُ الريح ». والعين الخَرَّارَة : كثيرة الخرور
__________________
(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٤٦.
(٢) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٤٦.