وَيَعْصُونِّي فَيَخْلِطُونَ أَعْمَالَهُمُ السَّيِّئَةَ بِأَعْمَالٍ حَسَنَةٍ ، فَهَؤُلَاءِ أَمْرُهُمْ إِلَيَّ إِنْ شِئْتُ عَذَّبْتُهُمْ فَبِعَدْلِي وَإِنْ شِئْتُ عَفَوْتُ عَنْهُمْ فَبِفَضْلِي.
فأعلمه تعالى بالكائن قبل أن يكونوا ليزداد آدم يقينا بربه ويدعوه ذلك إلى توقيره وطاعته والتمسك بأوامره واجتناب زواجره. ثم قال : والأخبار التي جاءت بأن ذرية آدم استنطقوا فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقروا فهي أخبار ناسخة ، وقد خلطوا فيها ومزجوا الحق بالباطل ، والمعتمد ما ذكرناه ، فإن تعلق متعلق بقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) فظاهر هذا القول يحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في إنطاق الذرية وخطابهم وأنهم كانوا أحياء ناطقين ، فالجواب عنه أن لهذه الآية من المجاز في اللغة كتطايرها مما هو مجاز واستعارة ، والمعنى فيها أن الله أخذ من كل مكلف يخرج من ظهر آدم وظهور ذرياته العهد عليهم بربوبيته من حيث أكمل عقله ودله بآثار الصنعة على حدوثه ، وأن له محدثا أحدثه لا يشبهه يستحق العبادة منه بنعمته عليه ، فذاك هو أَخْذُ العهد منهم وآثار الصنعة فيهم ، والإشهاد لهم على أنفسهم بأن الله ربهم ، وقوله تعالى : ( قالُوا بَلى ) يريد به أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ودلائل حدثهم اللازمة لهم وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، وكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدوثهم ووجود محدثهم قال : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ) فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدث لهم كأنهم قائلين ( بَلى شَهِدْنا ). وقوله : ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) و ( تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا في إنكارهم ولا يستطيعون ـ انتهى كلامه.