أَرَادَ بِالتَّوَفِّي النَّوْمَ ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ رَفَعَ نَائِماً.
قوله تعالى : ( يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ ) [ ٣٩ / ٤٢ ] أي يميتها.
واعلم أن النفس التي تُتَوَفَّى وَفَاةَ الموت هي التي يكون فيها الحياة والحركة وهي الروح ، والنفس التي تُتَوَفَّى في النوم هي النفس المميزة العاقلة ، فهذا الفرق بين النفسين.
قوله تعالى : ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها ) [ ١١ / ١٥ ] قال الشيخ أبو علي : أي نوصل إليهم ونوفر عليهم أجور أعمالهم من غير بخس في الدنيا ، وهو ما يرزقون فيها من الصحة ، وقيل هم أهل الرياء ، ( وَحَبِطَ ما صَنَعُوا ) أي صنعهم ( فِيها ) في الآخرة ، يعني لم يكن لصنيعهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة وإنما أرادوا الدنيا وقد وُفِّيَ إليهم ما أرادوا ، و ( باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) أي عملهم كان في نفسه باطلا ، لأنه لم يعمل للوجه الصحيح الذي هو ابتغاء وجه الله فلا ثواب يستحق عليه ولا أجر.
قوله تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) ـ الآية [ ٧٦ / ٧ ] قال بعض الأفاضل : الآية قد تضمنت المدح بالوفاء بالنذر والنذر سبب نزولها باتفاق الأمة. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ (ع) مَرِضَا فَعَادَهُمَا رَسُولُ اللهِ (ص) فِي أُنَاسٍ فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ لَوْ نَذَرْتَ عَلَى وَلَدَيْكَ ، فَنَذَرَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَفِضَّةُ جَارِيَتُهُمَا صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِنْ شُفِيَا ، فَشُفِيَا وَمَا مَعَهُمْ شَيْءٌ فَاسْتَقْرَضَ عَلِيٌّ مِنْ شَمْعُونَ الْخَيْبَرِيِّ ثَلَاثَ أَصْوُعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَطَحَنَتْ فَاطِمَةُ (ع) صَاعاً وَاخْتَبَزَتْ خَمْسَةَ أَقْرَاصٍ ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِيُفْطِرُوا فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ مِسْكِينٌ فَآثَرُوهُ وَبَاتُوا لَمْ يَذُوقُوا إِلَّا الْمَاءَ فَأَصْبَحُوا صِيَاماً ، فَلَمَّا أَمْسَوْا وَوَضَعُوا الطَّعَامَ وَقَفَ عَلَيْهِمْ يَتِيمٌ فَآثَرُوهُ ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فِي الثَّالِثَةِ أَسِيرٌ فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ بِهَذِهِ السُّورَةِ وَقَالَ : خُذْهَا يَا مُحَمَّدُ هَنَّأَكَ اللهُ فِي أَهْلِ