__________________
يشق على قسمين :
تارةً يكون الكلام غير محدّد بظرف خاص ولا تدلّ عليه قرينة حالية ولا مقالية ، فعندئذ يساوق التأبيدُ المعدوم المطلق.
وأُخرى يكون الكلام محدّداً بزمان حسب القرائن اللفظية والمثالية ، فيكون التأبيد محدّداً بهذا الظرف أيضاً ، ومعنى قول مريم : ( فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسِيّاً ) ( مريم : ٢٦ ) هو النفي القاطع في هذا الاطار ، ولا ينافي تكلّمها بعد هذا اليوم.
والحاصل : أنّ ما أُثير من الإشكال في المقام ناشئ من عدم الإمعان فيما ذكرنا من الأمرين ، فتارةً حسبوا أنّ المراد من التأبيد هو الاستحالة فأوردوا بأنّه ربما يكون المدخول أمراً ممكناً كما في قوله : ( فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أبَداً ) ( التوبة : ٨٣ ) ، وأُخرى حسبوا أنّ التأبيد يلازم النفي والمعدوم المطلق ، فناقشوا بالآيات الماضية التي لم يكن النفي فيها نفياً مطلقاً ، ولو أنّهم وقفوا على ما ذكرنا من الأمرين لسكتوا عن هذه الاعتراضات.
وبما أنّه سبحانه لم يتّخذ لنفي رؤيته ظرفاً خاصاً ، فسيكون مدلوله عدم تحقّق الرؤية أبداً لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.
ثمّ أنّه سبحانه علّق الرؤية على استقرار الجبل وبقائه على الحالة التي كان عليها عند التجلّي وعدم تحوّله إلى ذرات ترابية صغار بعده ، والمفروض أنّه لم يبق على حالته السابقة ، وبطلت هويته وصار تراباً مدكوكاً ، فإذا انتفى المعلّق عليه ( بقاء الجبل على حالته ) ينتفي المعلّق ... واللّه سبحانه بما أنه يعلم أنّ الجبل لا يستقر في مكانه بعد التجلي ، فعلّق الرؤية على استقراره لكي يستدلّ بانتفائه على انتفائه ، كما قال سبحانه : ( وَلا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِياطِ ).