نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادٌ ، فمن بايع رجُلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يبايعُ هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةً أنْ يقُتْلا ».
فالمسأله عند عمر ليست انتخاباً واختياراً وشورى ، وإنّما يكفي أن يبادر أحد المسلمين بالبيعة لتكون حجّة على الباقين ، ولذلك قال لأبي بكر : أبسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعه بدون مشورة ولا ترّيث خوفاً من أن يسبق إليها أحد آخر.
وقد عبّر عمر عن هذا الرأي بقوله : خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجُلاً منهم بعدنا ( خشي عمر أن يسبقه الأنصار فييايعوا رجُلاً منهم ) ويزيدنا وضوحاً أكثر عندما يقول : فإمَّا بايعناهم على ما لا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادُ (١).
وحتى نكون منصفين في الحكم ومدقّقين في البحث ، يجبُ علينا أن نعترفَ بأنّ عمر بن الخطاب غيّر رأيه في البيعة في آخر أيام حياته ، وذلك عندما جاءه رجلٌ بمحضر عبدالرحمن بن عوف في آخر حجّة حجّها فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول : لو قد مات عمرُ لقد بايعتُ فلاناً ، فواللّه ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة فتمّتْ. فغضب عمر ، ولهذا قام في الناس خطيباً فور رجوعه إلى المدينة ، فقال من جملة ما قال في خطبته :
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٨ : ٢٦ ، كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا.