بقي فقط أمرٌ مهمّ لا يكتمل الدينُ إلاّ به.
كما تُشعر الآية الكريمة بأنّ الرسول كان يخشى تكذيب الناس له إذا ما دعاهم بهذا الأمر الخطير ، ولكنّ اللّه سبحانه لم يُمهله للتأجيل ، فالأجل قد قَرُبَ ، وهذه الفرصة هي أحسن الفرص ، وموقفها هو أعظم المواقف ، إذ اجتمع معه صلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر من مائة ألف رافقوه في حجّة الوداع ، وما زالت قلوبهم عامرة بشعائر اللّه ، مستحضرة نعي الرسول نفسه إليهم.
وقوله لهم : « لعلّي لا ألقاكم بعد عامكم هذا ، ويوشك أن يأتي رسول ربّي وأُدعى فأجيب » ، وهم سيفترقون بعد هذا الموقف الرهيب للعودة إلى ديارهم ، ولعلّهم لا تُتاحُ لهم فرصة اللّقاء مرّة أُخرى بهذا العدد الكبير ، وغدير خمّ هو مفترق الطرقات ، فلا يمكن لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يُفوّتَ هذه الفرصة بأيّ حال من الأحوال.
كيف ، وقد جاءه الوحي بما يشبه التهديد على أنّ كلّ الرسالة منوطة بهذا البلاغ ، واللّه سبحانه قد ضمن له العصمة من الناس ، فلا داعي للخوف من تكذيبهم ، فكم كُذِبتْ رسُلٌ من قبله ، ولكن لم يُثنهم ذلك عن تبليغ ما أُمروا به ، فما على الرسول إلاّ البلاغ ، ولو علم اللّه مُسبقاً بأنّ أكثرهم ( لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) (١) ، ولو علم بأنّ منهم
__________________
١ ـ الزخرف : ٧٨.