فصارت الدنيا أملك بكم من الآخرة ، والعاجلة اذهب بكم من الآجلة » (١).
ترى لماذا كل هذا الشغف بتخليص الناس من الدنيا ، لأنّه عالم بمصائر الناس ، متيقّن من ربّ عبده عن بصيرة ، واحيا حياته على سبيل مرضاته ، وأحبّ أن يلتذ الناس بنعمة القرب منه ، وأبغض أن يسومهم باريهم سوء العذاب بما كسبت أيديهم ، فأشفق وأرفق ، وعلم وهدى ، وقد حذّرهم الدنيا بقوله : « احذركم الدنيا ، فإنها منزل قُلعة ، وليست بدار نُجعة » (٢).
ثم يواصل حضّه لهم على ذكر منتهاهم ما تيسّر له ذلك ، يقول :
« أولستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى : فميت يُبكى ، وآخر يعزّى ، وصريع مبتلى ، وعائد يعود ، وآخر بنفسه يجود ، وطالب للدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ألا فاذكروا هادم اللذات ، ومنغّص الشهوات ، وقاطع الأمنيات ، عند المساورة للأعمال القبيحة ، واستعينوا بالله على قضاء واجب حقّه » (٣).
ويندر أن تنفلت من بين أيدي المتابع لعطاء الإمام عليّ عليهالسلام في الناس ، قولا أو فعلا أو حقاً يراه أهل له ، ذلك لأنه كما تقدم لا يرجو
__________________
١ ـ المصدر نفسه.
٢ ـ المصدر نفسه.
٣ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٩٨.