على يقين من ربه كما قال (١).
ويصل الإمام علي عليهالسلام مع الناس في شأن الدنيا ، أبعد ما وصل إليه الهداة ، من تحذير من ساقهم بعصاها فاطاعوها.
يقول : « قد تزيّنت بغرورها ، وغرّت بزينتها ، دارها هانت على ربّها ، فخلط حلالها بحرامها ، وخيرها بشرها ، وحياتها بموتها ، وحلوها بمرّها ، لم يصفها الله لأوليائه ، ولم يضن بها على أعدائه ، خيرها زهيد ، وشرها عتيد ، وجمعها ينفذ ، وملكها يسلب ، وعامرها يخرب ، فما خير دار تنقض نقض البناء ، وعمر يفنى فيها فناء الزاد ، ومدة تنقطع انقطاع السير » (٢).
في موازاة حبّه للناس ورجائه خلاصهم من فتنة الحياة الدنيا ، ودخولهم حظيرة الحق ، وامتناعهم وصرفهم عن مسارب السوء ، تقف هيبة الإمامة ناصعة النور لمن ألقى السمع وهو شهيد ، فينفرط من عقد لؤلؤها كلم يمشي مع الناس منذ بداءة خلقهم ، حتى منتهيات آجالهم ، وما يزال يعرض في الدنيا كضد لها ، لا يمكن الاستفادة من مروره بها إلاّ كمن يرتشف قطراً من الماء في طريق طويل السفر ، قليل الزاد ، يحضر قلوب الناس في قوله :
« قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال ، وحضرتكم كواذب الآمال ،
__________________
١ ـ أنظر : نهج البلاغة : الخطبة ١٠ ، وغيرها.
٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١١٢.