بهذه الموازنة بين هذه الأنواع المختلفة للمثل العليا يبرز الصدر الأهمية الحضارية لعقيدة التوحيد وللمثل الأعلى المطلق الذي يجعل من الله غاية للمسيرة ( يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) ( الانشقاق ٦ ) بكل ما يعنيه ذلك من تألق المسيرة وديمومتها وتكاملها اللامحدود.
إن عقيدة التوحيد تصنع التوافق بين الوعي البشري والواقع الكوني الذي يفرض هذا المثل الأعلى حقيقة قائمة ثابتة .. ولذلك عبرت الآية عن الكدح بصيغة خبرية لا بصيغة إنشائية. فالبشرية تكدح نحو الله شاءت أم أبت حتى الذين يتمردون على الله هم يسيرون نحو الله ولكن من حيث لا يشعرون .. لان كونه سبحانه مثلا أعلى حقيقة كونية على الانسان أن يعيها ويرتبط بها .. ( والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ) ( النور ٣٩ ). وعقيدة التوحيد عندما توحد بين الوعي والواقع بين الاعتقاد والحقيقة .. يحدث تغيراً كمياً وكيفياً على مسيرة الإنسان فالمثل الأعلى المطلق يحفز الإنسان والمجتمع نحو التقدم ويضفي على المسيرة اندفاعاً وتجدداً لا ينضب فعلى المستوى الكمي يفتح آفاقاً لا نهاية لها لانه كلما قطعت المسيرة شوطاً نحو الله انفتحت أمامها أشواطاً جديدة .. وتسقط حينئذ وتتهاوى كل الاشكال من الالوهيات المزيفة على هذا الطريق الزاحف نحو المطلق ( من هنا كان دين التوحيد صراعاً مستمراً مع كل اشكال الآلهة والمثل المنخفضة والتكرارية التي حاولت ان تحدد من كمية الحركة