الناس يرغبون عن إنفاق المال وإتيان الفكر فيما يجري هذا المجرى ، سيما وإن تم لهم نسبوه إلى الشعوذة.
وأما الطلسمات فان في الناس من يسمي الحيل الباقية بها ، وذلك مجاز واستعارة وإلا فالطلسمات هي التي ظاهرها وباطنها سواء ، ولا يظهر فيها وجه حيلة ، كما كان على المنارة الاسكندرية (١) وكما روي أن الله تعالى بفضله أمر نبيا من الانبياء المتقدمين أن يأخذ طيرا من نحاس أو شبه (٢) ويجعله على رأس منارة كانت في تلك الولاية ، ولم يكن فيها شجر الزيتون ، وكان أهلها محتاجين إلى دهن الزيت للمأدوم وغيره ، فاذا كان عند إدراك الزيتون بالشامات خلق الله صوتا في ذلك الطير (٣) فيذهب ذلك الصوت في الهواء فيجتمع إلى ذلك الوف الوف من أجناسه
____________________
(١) كان اسكندر المقدونى بنى منارة رفيعة على ساحل البحر مما يلى الافرنج فتعبأ باهتمام ارسطو طاليس على أرسها مرآة عظيمة مجلوة محدبة ينعكس فيها ما يقابلها حتى أميال فاذا أراد بعض الاعداء أن يهجم على بلدانهم من هذا الباب ، عاينهم المراقبون فأخبروا أميرهم ، فاستعدوا ، قيل : كان يجلس الجالس تحتها فيبصر من بالقسطنطينية ، وبينهما عرض البحر.
فغفل المراقبون ليلة عن مراقبتها ، واستولى عليها الافرنج فغرقوها في الماء.
(٢) شبه : محركة ويقال شبق حجر شديد السواد والبريق ، وهو في اللين والخفة كالكهرباء. اذا جعل في النار احترق كالحطب ويستشم منه رائحة النفط وقد يصنع منه فص الخاتم وأمثاله.
(٣) مرار جعيانوس الموسيقار بفلاة فاجتاز على فرخ برصلة ولعلها السودانية أو السودانة ، ويقال لها عند الفرس : ( دارنمك ) وعند الجيل ( داركوب ) يصفر صفيرا حزينا بخلاف صفير سائر البراصل ، فكانت البراصل تجيئه بلطائف الزيتون فتطرحها عنده فيأكل بعضها ويفضل بعضها ، فتأمل حاله وعلم أن في صفيره ضربا من التوجع والاستعطاف والاستغاثة فتلطف وعمل آلة تشبه الصفارة ، إذا هبت الريح أدت ذلك الصفير ، فرأى أن البراصل جاءته بالزيتون كما كانت تجئ الفرخ