بالاستجلاء لأحكام
الجملة في التراكيب ، وإن بقيت الكلمات على حقيقتها اللغوية دون تجوز. وإليه يميل
الزركشي ( ت : ٧٩٤ هـ ) بعده المجاز العقلي هو الذي يتكلم به أهل الصنعة بقوله عنه
: « وهو أن تستند الكلمة الى غير ما هي له أصالة لضرب من التأويل ، وهو الذي يتكلم
به أهل اللسان ».
وقد كان عبد القاهر ـ كما سنرى فيما بعد
ـ قد أولى هذا النوع من المجاز عناية فائقة ، واعتبر كنزا من كنوز البلاغة ، وهو
مادة الإبداع عند الكتاب والشاعر ، وسبيل الاتساع في طرق البيان ، قال : « وهذا
الضرب من المجاز على جدته كنز من كنوز البلاغة ، ومادة الشاعر المفلق ، والكتاب
البليغ في الإبداع والإحسان ، والاتساع في طرق البيان ، وأن يجيء بالكلام مطبوعا
مصنوعا ، وأن يضعه بعيد المرام ، قريبا من الإفهام ».
وليس ملزما لأحد ما ذهب بعضهم من أن
المجاز العقلي من مباحث علم الكلام ، وأولى أن يضم إليه ، لأنه من كما اتضح من تفصيلات
عبد القاهر ، وإشارات القزويني ، يعد كنزا من كنوز البلاغة ، وذخرا يعمد إليه
الكاتب البليغ والشاعر المفلق والخطيب المصقع ، وليس أدل على ذلك من أن القدماء
استعملوا في كلامهم ، وأن القرآن الكريم حفل بألوان شتى منه ، وأن البلاغيين
والنقاد أشاروا إليه وذكروا أمثلته ، وإن لم يطلق عليه الإسم إلا موخرا على يد عبد
القاهر. وهذا كله يدل على أن المجاز العقلي لون من ألوان التعبير ، وأسلوب من
أساليب التفنن في القول ، ولا يخرجه من البلاغة إفساد المتأخرين له ، وإدخال مباحث
المتكلمين فيه عند تعرضهم للفاعل الحقيقي.
وقد كان سعد الدين التفتازاني ( ت : ٧٩١
هـ ) موضوعيا حينما رد القزويني لإدخاله المجاز العقلي في مباحث علام المعاني فقال
: « لان علم المعاني إنما يبحث عن الأحوال المذكورة من حيث أنها يطابق بها اللفظ
مقتضى الحال. وظاهر أن البحث في الحقيقة والمجاز العقليين ليس من
__________________