ففي الجانب الأول ، يبرز في الجامعات العراقية ـ مثلا ـ دور كل من :
١ ـ الدكتور أحمد عبد الستار الجواري ، فما زلت أتذكر ـ قبل ربع قرن أو أكثر ـ ونحن طلاب في الدراسات الأولية الجامعية ، أنه كان يأخذنا أخذا شديدا في مدارسة النحو في ضوء القرآن كاشفا عن بلاغته ووجوه إعجازه ، ومطابقة عباراته من خلال نظم المعاني لمقتضى الحال ، وربما ضاق بعضنا ذرعا من جديته هذه فيتذرع بالقول : إن الغاية من النحو صون اللسان عن الخطأ في المقال أو الكلام ، فكان رحمهالله (١) يجيب : بأن هذا صحيح بالنسبة لعامة الطلاب ، أما بالنسبة لكم فالغاية : خدمة القرآن العظيم.
وكان الجواري في هذا المنهج يصدر عن رأي استاذه الخولي ، فما شوهد متحدثا إلا وآيات القرآن على شفتيه ، ولا درّس إلا وشواهده من القرآن ، وألف وهو معني بالنحو والقرآن معا : « نحو التيسير » « نحو القرأن » و « نحو الفعل » و « نحو المعاني » وفي كتبه شذرات قيمة من معاني القرآن وبيانه كالاستعارة والتشبيه والتمثيل والمجاز العقلي واللغوي وإن كان النحو مضمارها.
٢ ـ الدكتور جميل سعيد ـ عضو المجمع العلمي العراقي ، وقد عني عناية خاصة بتدريس إعجاز القرآن وتصوير أبعاده الفنية والجمالية ، وتمخض لهذا الجانب في الدراسات العربية العليا ، وكان « دلائل الأعجاز » و « أسرار البلاغة » مضماره الأول في مظان التدريس ، وهو بإزاء كشف البيان القرآني ، وطالما كان يحث الكثيرين من تلامذة الدراسات العليا ـ وأنا منهم ـ على متابعة الاستنارة في القرآن ، وعلى تحرير الرسائل الجامعية في ضوء هداه ، وإبراز الوجهة الأدبية والبلاغية للبيان العربي من خلال معطياته البيانية الفريدة ، وفضلا عن هذا المنهج فإن بحوثه العلمية غنية بالموروث القرآني العظيم.
__________________
(١) توفي الدكتور الجواري فجأة عند باب داره ظهر الجمعة : ٢٢ /١ / ١٩٨٨ م وهو في طريقه لأداء الصلاة ، عن عمر يناهز خمسة وستين عاما.