التأويل (١). أما الأول ، فقد رتبه على أساس جديد من الأعمال المعجمية الرائدة ، فاتبع طريقة « الألفباء » في ترتيب مفرداته اللغوية ، وهو يورد الكلمة الواحدة في استعمالها الحقيقي تارة ، وباستعمالها المجازي تارة أخرى ، ويعطي معنى كل منهما ، والذي يبدوا لنا من عمله هذا أنه يميل الى أن معظم مفردات العربية مجاز وان الباقي هو الحقيقة ؛ وهو بهذا يحقق جهدا تراثيا عظيما إزاء هذه الغاية ، ويقوم بفهرسة إحصائية لمجاز اللغة ، ولدى ذكر خصائص كتابه الفنية نجده يشير الى هذه الحقيقة بقوله :
« ومنها تأسيس قوانين فصل الخطاب والكلام الفصيح ، بإفراد المجاز عن الحقيقة ، والكناية عن التصريح »(٢).
ولم ينس الغرض من تأليف هذا الكتاب في بيان بلاغة القرآن هدفا رئيسا ، والوقوف عند وجوه إعجازه ، ولطائف أسراره فقال :
« ولما أنزل الله تعالى كتابه مختصا من بين الكتب السماوية بصفة البلاغة التي تقطعت عليها أعناق العتاق السبّق ، وونت عنها خطا الجياد القرّح ، كان الموفق من العلماء الأعلام ... من كانت مطامح نظره ، ومطارح فكره ؛ الجهات التي توصل الى تبين مراسم البلغاء ، والعثور على مناظم الفصحاء ؛ والمخابرة بين متداولات ألفاظهم ، متعاورات أقوالهم ، ... والنظر فيما كان الناظر فيه على وجوه الإعجاز أوقف ، وبأسراره ولطائفه أعرف ، حتى يكون صدر يقينه أثلج ، وسهم احتجاجه أفلج ، وحتى يقال : هو من علم البيان حظي ، وفهمه فيه جاحظي. والى هذا الصوب ذهب عبد الله الفقير اليه محمود بن عمر الزمخشري ، عفا الله تعالى عنه في تصنيف كتاب أساس البلاغة »(٣).
ويرى الأستاذ أمين الخولي في تصديره لأساس البلاغة : أن الزمخشري لم يستقص تتبع المجازات اللغوية بالنص عليها في أساسه ،
__________________
(١) طبع عدة طبعات ، وصورت طبعاته بالأوفست ، وبين يدي طبعة دار المعرفة ، بيروت ( د. ت ) وبحاشيتها كتاب الإنصاف لأحمد بن المنير.
(٢) ظ : الزمخشري ، أساس البلاغة ، المقدمة.
(٣) ظ : المصدر نفسه : مقدمة المؤلف.