فيذهب الرضي أن المراد منها « إخراج المؤمنين من الكفر الى الأيمان ومن الغي الى الرشاد ، ومن عمياء الجهل الى بصائر العلم. وكل ما في القرآن من ذكر الإخراج من الظلمات الى النور فالمراد به ماذكرنا. وذلك من أحسن التشبيهات. لأن الكفر كالظلمة التي يتسكع فيها الخابط ويضل القاصد. والأيمان كالنور الذي يؤمه الحائر ، ويهتدي به الجائر ، لأن عاقبة الأيمان مضيئة بالأيمان والثواب ، وعاقبة الكفر مظلمة بالجحيم والعذاب. وفي لسانهم : وصف الجهل بالعمى والعمه ، ووصف العلم بالبصر والجلية » (١).
٣ ـ ويحمل الرضي قوله تعالى ( وقيل ياأرض ابلعي مآءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر ) (٢) على الاستعمال المجازي في صدور الأمر منه تعالى ، ويقول : « لأن الأرض والسماء لايصح أن تؤمرا أو تخاطبا. لأن الأمر والخطاب لا يكونان إلا لمن يعقل ، ولا يتوجهان إلا لمن يعي ويفهم. فالمراد إذن بذلك ، الأخبار عن عظيم قدرة الله سبحانه ، وسرعة مضي أمره ، ونفاذ تدبيره نحو قوله ( انما قولنا لشيء إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون (٤٠) ) (٣) ، إخبار عن وقوع أوامره من غير معاناة ولا كلفة ، ولا لغوب ولا مشقة.
وفي هذا الكلام أيضا فائدة أخرى لطيفة. وهو أن قوله سبحانه ( يا أرض ابلعي مآءك ) أبلغ من قوله : يا أرض اذهبي بمائك. لأن في الابتلاع دليلا على إذهاب الماء بسرعة ... وكذلك الكلام في قوله سبحانه ( ويا سماء أقلعي ) لأن لفظ الأقلاع ههنا أبلغ من لفظ الإنجلاء. لأن في الإقلاع أيضا معنى الإسراع بإزالة السحاب ، كما قلنا في الابتلاع. وذلك أدل على نفاذ القدرة ، وطواعية الأمور ، من غير وقفة ولا لبثة ، هذا الى ما في المزاوجة بين اللفظين من البلاغة العجيبة والفصاحة الشريفة » (٤).
__________________
(١) الشريف الرضي ، تلخيص البيان : ١٢١.
(٢) هود : ٤٤.
(٣) النحل : ٤٠.
(٤) الشريف الرضي ، تلخيص البيان : ١٦٢.