وأجرى لقلمه العنان في حدود الأستعمال المجازي دون إيجاز مخل أو إطناب مملّ كما يقال.
وهو في ذلك منظر ومطبّق في آن واحد ، ومعتدّ برأيه البياني دون تردد ، فهو يورد المجاز ويشرحه ويستشهد عليه ، ويناقش فيه ، ويثبت القول الصراح باجتهاده القائم على أساس الكشف والإبداع والتبادر الذهني من خلال عمقه اللغوي ، ومنهجه البلاغي ، ومخزونه الثقافي المستفيض.
وكان هذا العمل سبقا فريدا الى الموضوع ، لم يشاركه فيه أحد قبله ، وقد سار على منواله من جاء بعده ولكن في حدود مقتضبة لم تنهض بكتاب مستقل فيما أعلم.
« ومن هنا كان « تلخيص البيان » أول كتاب كامل ألف لغرض واحد ، وهو متابعة المجازات والاستعارات في كلام الله كله سورة سورة وآية آية ، ومن هنا كانت القيمة العلمية لهذا الكتاب الذي لم يؤلف مثله لهذا الغرض. فهو يقوم في التراث العربي الإسلامي وحده شاهدا على أن الشريف الرضي خطا أول خطوة في التأليف في مجازات القرآن واستعاراته تأليفا مستقلا بذاته ، ولم يأت عرضا في خلال كتاب ، أو بابا من أبواب مصنّف » (١).
وإنك لتجد في منهجه هذا شذرات تلتقط وأنت ضنين بها.
١ ـ ففي قوله تعالى ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) (٢) فإنه ينفي الجسمية والجهة عن الباري تعالى ويوجهها نحو المجاز بقوله « أي جهة التقرب الى الله ، والطريق الدالة عليه ، ونواحي مقاصده ومعتمداته الهادية إليه » (٣).
٢ ـ وفي قوله تعالى ( الله وليّ الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أوليآؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ) (٤).
__________________
(١) محمد عبد الغني حسن ، مقدمة تلخيص البيان : ٣٠.
(٢) البقرة : ١١٥.
(٣) الشريف الرضي : تلخيص البيان : ١١٨.
(٤) البقرة : ٢٥٧.